أحزاب تونسية تتهم حركة النهضة بالمناورة في تشكيل الحكومة نتيجة الخلافات الداخلية
اتهمت أحزاب تونسية حزب حركة النهضة الاخونجية بالمناورة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة نتيجة الخلافات الداخلية التي تعصف بها، والتي تحول دون تشكيل حكومة جديدة.
وقال غازي الشواشي القيادي في حزب التيار الديمقراطي في تصريحات لوسائل إعلام محلية، الأربعاء، إن حزبه “تفاجأ برفض عدد من قيادات حركة النهضة للعرض الجديد الذي قدّمته الحركة للحزب من أجل العودة إلى مشاورات تشكيل الحكومة والمشاركة فيها”، مشيرا إلى أن “حركة النهضة تعاني من ارتباك وتخبط نتيجة الصراعات الداخلية، ما يعطل مسار تشكيل الحكومة”.
وكان التيار الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في تونس قد أعلن، الثلاثاء، عودته إلى مفاوضات تشكيل الحكومة بعد أن تلقى عرضا جديدا من حركة النهضة، صاحبة الأغلبية.
وقبل ذلك، أعلن “التيار الديمقراطي” (22 نائبا) وحركة “الشعب” (15 نائبا)، ثاني أكبر الكتل في البرلمان، انسحابهما من المشاورات معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو “غياب الجدية”. وهذا من شأنه أن يضعف حظوظ الحكومة القادمة في نيل ثقة البرلمان، حيث يجب أن تحصل على 109 أصوات (من مجموع 217).
وحول العرض الجديد، الذي لعبت فيه شخصيات وطنية دور الوساطة، أوضح التيار أنه يتضمن حصوله على وزارة الإصلاح الإداري بما في ذلك مصالح الرقابة، ووزارة العدل، على أن تُلحق بها أجهزة الشرطة العدلية، الجهاز المكلف بمقاومة الفساد.
لكن التيار أشار إلى أن النهضة تغالط الرأي العام بإطلاق تصريحات متضاربة حول العرض المقدم له، ما يعكس حجم الانقسامات والخلافات التي تغرق فيها الحركة بخصوص مشاورات تشكيل الحكومة.
ومنذ صعود راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاخونجية لرئاسة البرلمان بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في السادس من أكتوبر الماضي، وفازت بها حركة النهضة، ظهرت خلافات الحركة الداخلية حيث بدأ قياديون في الدعوة إلى ترشيح شخصية بديلة لرئاسة الحزب.
كما دبّت الخلافات داخل الحركة حول منصب رئيس الحكومة بين من رأى أنه يجب أن يكون من داخلها وشق آخر دفع إلى أن يكون شخصية مستقلة، وانتهت حالة التجاذب باختيار الخبير الزراعي الحبيب الجملي لهذا المنصب، وخلفت حالة استياء لدى القيادات المعارضة لهذا القرار. وانعكست هذه الخلافات على مشاورات تشكيل الحكومة حيث انقسمت الحركة مرة أخرى إلى شقين، أحدهما يدفع نحو تشكيل حكومة مع الأحزاب المحسوبة على الثورة، من بينها التيار وحركة الشعب، والشق الآخر يريد التحالف مع قلب تونس، كما أوضح ذلك حزب التيار.
أن ”الكرة اليوم في ملعب رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي” مشيرا إلى أن “التيار في انتظار توجيه دعوة رسمية للأمين العام للحزب لإضفاء شرعية على الاقتراحات الجديدة التي قدمتها النهضة للتيار”.
واستبعد إعلان الجملي عن تركيبة الحكومة يوم السبت المقبل خلافا لما تم ترويجه، ملاحظا أنه لم يتم التشاور رسميا، إلى حد الساعة، مع أحزاب أخرى على غرار حركة الشعب وتحيا تونس، موضحا أن الطرفين المذكورين معنيّان بتشكيل الحكومة حسب الخطة المعروضة على التيار.
وأشار مراقبون إلى أن النهضة تريد الترويج للرأي العام وخاصة ناخبيها، أن حزب التيار يقف وراء تعطيل مسارها، بغاية تبرير تحالفها مع قلب تونس وهو السيناريو الذي تدفع به منذ بداية المشاورات لتقوية حزامها السياسي، ومواجهة المعارضة القوية التي تنتظرها.
ولفت الشواشي إلى أن النهضة تعتبر أن “الخطة الثانية المتعلقة بتكوين ائتلاف حكومي بينها وبين قلب تونس وأحزاب أخرى أكثر جاهزية”، مضيفا أن “الفرضية الثانية للتحالف ستنتج حكومة ضعيفة غير قادرة على حل الإشكالات الاقتصادية وستساهم في تعميق الأزمة وستسقط في أول تعثر لها”.
وما زال الغموض يحيط بمشاورات تشكيل الحكومة رغم التصريحات المتواترة والتي تطمئن الرأي العام بقرب تشكيلها، ويكشف تضارب التصريحات داخل حركة النهضة عن الخلافات القوية التي تعصف بها من جهة، كما يكشف أن النهضة هي المتحكم الفعلي بالمشاورات الحكومية من جهة ثانية.
ورغم تأكيد رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي الذي اختارته النهضة لهذا المنصب على استقلاليته وعدم خضوعه لاملاءات النهضة الاخونجية، إلا أن حالة الانسداد السياسي تكشف أن النهضة هي التي تتحكم بمسار المشاورات الحكومية وأن نجاحها متوقف على ما تبديه من ليونة مع الأحزاب المعنية بالحكومة.
من جهته، تعهد زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب، بالكشف خلال الساعات القادمة عن كل ما حدث خلال فترة مشاورات تشكيل الحكومة. معتبرا أن “رئيس الحكومة المكلف لا يتحكم في مسار المفاوضات”.
وأوضح المغزاوي في تدوينة نشرتها الصفحة الرسمية لحزبه بموقع فيسبوك أن “حركة الشعب قدمت مقاربتها للجملي وأنها لم تلق أي تفاعل إيجابي”، مشددا على وجود مسارات متعددة ومتناقضة في المشاورات قال إنها مرتبطة بالصراعات داخل الحزب الفائز في إشارة إلى حزب حركة النهضة.
وكانت خلافات النهضة قد عادت من جديد إلى دائرة الضوء منذ اجتماع مجلس شورى الحركة بداية ديسمبر الجاري، حيث دبت خلافات حول التوجهات المستقبلية للحركة في الشأن العام، إضافة إلى تصاعد الخلافات حول الشخصية التي ستخلف الغنوشي على رأس الحزب، والمتوقع أن يفصح عنها مؤتمر الحزب المقرر في مايو القادم.
بدوره، أقر رضوان مصمودي عضو حركة النهضة ورئيس مركز الإسلام والديمقراطية في حوار مع صحيفة الصباح المحلية، الأربعاء، عن وجود خلافات داخل الحركة. وقال المصمودي “هناك نقاشات ومطالب صلب الحركة لاستقالة راشد الغنوشي من رئاستها”، وإن مجلس الشورى الذي قال إنه يوجه المسائل داخل الحركة “سيتخذ قرارا في ذلك إذا اقتنع بتغيير رئيس الحركة”.
ولم يستبعد المصمودي فشل الجملي في تشكيل حكومته في ظل ما وصفه بالتشتت البرلماني، مشددا على أن أي اسم آخر سيكلف بتشكيل الحكومة من قبل رئيس الجمهورية سيجد نفس الصعوبات وأنه قد يعجز أيضا في المهمة.
ومنذ تكليفه رسميا منتصف أكتوبر الفائت، بدأ الحبيب الجملي الذي يؤكد أنه مستقل عن الأحزاب، مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات.
غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في إتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا، ما ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.