أزمة متصاعدة تظهر للعلن بين تيارات إخونجية الجزائر
عبد الرزاق مقري ينتقد مروجي التوريث داخل حركة حمس
وسط أزمة متصاعدة بين تيار الرئيس الحالي المحسوب على الصقور، وتيار الحمائم الذي يبحث عن فرصة لاستعادة الانخراط مجددا في معسكر السلطة وفق عقيدة المشاركة والتغيير من الداخل، استكملت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن لحركة مجتمع السلم الإخونجية (حمس)، جميع مراحل الإعداد.
وانتقد الأمين العام لحركة حمس عبد الرزاق مقري المنتهية ولايته، من وصفهم بمروجي التوريث داخل الحركة، في تلميح للممتعضين من عمل لجنة تحضير المؤتمر المقرر منتصف الشهر الجاري، والذين يتهمونها بتفصيل العملية على مقاس قيادة جديدة تحافظ على الخط السياسي الذي تبنته حمس منذ العام 2012، وأنه قد تم قطع الطريق على منافسيها.
ودخل القيادي المؤسس والمنشق بعد ذلك عبد المجيد مناصرة على خط السباق للفوز برئاسة الحركة، حيث أعرب لوسائل إعلام محلية عن ترشحه للمنصب، دون أن يكشف عن التصورات التي يحملها لمناضلي وأنصار حمس، ولو أن الرجل يحسب على الجناح الثالث الذي يريد تخليص الحركة من جناحي الصقور والحمائم.
وعاد القيادي والوزير السابق في مطلع الألفية عبد المجيد مناصرة إلى صفوف حمس بعد سنوات من الانشقاق وتأسيس جبهة التغيير العام 2012، ولم يعد إليها إلا عشية الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017، بعد عمل قام به إسلاميون لإنشاء تحالف انتخابي، ومن بين ما أفضى إليه انصهار جبهة التغيير مع حركة حمس.
لكن ذلك لم ينه الخلافات داخل أعرق الأحزاب الإخونجية في الجزائر، حيث ظل جناح الحمائم بقيادة الأمين العام والوزير السابق أبو جرة سلطاني، والذي كان يمثل أحد أضلاع التحالف الحزبي المؤيد للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، إلى جانب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، غير راض عن الخيارات السياسية لحمس، لاسيما في جانبها المعارض للسلطة.
صراع الأجنحة
وتعتبر حركة حمس من أكبر القوى السياسية التي فرخت عدة أحزاب، على غرار جبهة التغيير وحزب “تاج” (تجمع أمل الجزائر)، ثم حركة البناء الوطني، غير أنها حافظت في السنوات الأخيرة على استقرارها وانضباطها الداخلي، رغم الأزمة الصامتة التي تعيشها.
وصرح المرشح عبد المجيد مناصرة بأن “الخلافات الداخلية لا يمكن أن تؤدي إلى صدام، وأن الآليات الديمقراطية كفيلة بإفراز قيادة تمثل إرادة كوادر حمس ومناضليها”، وهو ما يعتبر اعترافا بصراع الأجنحة وبغياب الإجماع الداخلي حول العقيدة السياسية لحمس، لاسيما علاقتها مع السلطة ومع المراكز الإقليمية والدولية للتيار الإخونجي.
واكتفى المتحدث بالكشف عن سعيه في حال التتويج بقيادة حمس إلى عقد ندوة وطنية للقوى السياسية في البلاد، من أجل وضع خارطة طريق سياسية متوافق عليها، للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد منذ احتجاجات الحراك الشعبي العام 2019.
وجاءت انتقادات الأمين العام المنتهية ولايته عبد الرزاق مقري عشية عقد المؤتمر الثامن منتصف شهر مارس الجاري لمروجي ما وصفها بـ”مزاعم التوريث”، في إشارة إلى امتعاض خصوم جناحه السياسي من وتيرة الإعداد للمؤتمر.
وذكر في رسالة شكر وجهها إلى قياديي الحركة ومناضليها بمناسبة الانتهاء من مراحل التحضير للمؤتمر، “أود أن أشكركم جميعا على صبركم الجميل على حملات الإرجاف والعدوان والكذب والبهتان التي طالت حركتكم أثناء سيرها لمؤتمرها الثامن بدءا برئيسها وعائلته، والتي طالبت أعضاء المكتب التنفيذي الوطني”.
التوريث
وتترجم المفردات التي وظفها عبد الرزاق مقري حجم القلق الذي ينتاب جناحه من فرص فقدانه لقيادة حمس، وعودة الأجنحة التي أطيح بها تباعا منذ العام 2012، خاصة جناح الأمين العام السابق أبو جرة سلطاني.
ولفت إلى أن “الاتهامات” الموجهة للجنة التحضيرية للمؤتمر، خصوصا إلى رئيس اللجنة والأمين الوطني للتنظيم والرقمنة عبد العالي حسياني، والذي أثيرت حوله داخل أروقة الحركة إشاعات حول ترشحه للمنصب، “عارية عن الصحة”، وذلك في رده على ما يتردد حول ما بات يعرف بـ”التوريث” داخل حمس، لاسيما وأنه يعتبر المرشح الأوفر حظا والقادر على منافسة المرشح عبدالمجيد مناصرة.
وأضاف مقري في رسالته بأن “من يقف وراءها تجردوا من كل وازع ديني وأخلاقي ويحركها ناشطون معروفون يضيعون أعمارهم في دوامات الحسد والأحقاد منذ أمد طويل، هم معزولون جميعهم عن هياكل الحركة وعن العمل الميداني وعن البذل والتضحية طوال كل السنوات الماضية”.
وتابع “يذكرنا هيجناهم بمناسبة هذا المؤتمر بأزمات سابقة لم نخرج منها إلا بتضحيات جسيمة. غير أن هذه المرة تميزت هياكلنا ومؤسساتنا بالصلابة والتآزر والحكمة والتجربة”.
وشدد مقري على أن “مراحل التحضير للمؤتمر الثامن سادها الهدوء والانضباط، وأنه خلافا للمؤتمرات السابقة لم يصل إلى لجنة تحضير المؤتمر سوى عدد قليل من الطعون دفعت إليها حالات تنافسية محلية عادية تم تسويتها بسلاسة وهدوء”.
ويأتي مؤتمر حمس في مناخ يخيم عليه شلل سياسي وحزبي غير مسبوق في البلاد، بسبب مسعى السلطة لتجاوز الطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها، مقابل فتح المجال أمام المجتمع المدني لإرساء شراكة جديدة، وهو ما لم يرق للفواعل الحزبية التي تعيش عزلة لم يشفع لها فيها حتى خطاب التودد للسلطة.