أمير قطر يطيح برئيس وزرائه ووزير داخليته
أزمة ثقة ومخاوف أمنية في الدائرة المقربة من أمير قطر دفعته لهذه الإجراءات
سلسلة أوامر ومراسيم مفاجئة أصدرها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الثلاثاء، أطاح بمقتضاها برئيس الوزراء وزير الداخلية عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، وعين رئيس الديوان الأميري خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني خلفا له.
وبموجب الأوامر أيضا، أعاد تشكيل مجلس الوزراء، وعين قائدا جديدا لقوة الأمن الداخلي “لخويا” التي تتولى تأمين خط سير موكبه داخل البلاد.
وبقراءة متأنية لتلك الأوامر، يمكن اكتشاف 3 أسباب رئيسية وراء اتخاذها.
السبب الأول هو وجود أزمة ثقة أصبح يعاني منها أمير قطر في الدائرة القريبة منه.
والدلالة على ذلك أن الأوامر الأميرية استهدفت على وجه الخصوص الإطاحة برئيس الوزراء عبدالله بن ناصر، والذي يشغل هذا المنصب منذ تولي تميم مقاليد الحكم في قطر يونيو/حزيران 2013، حتى لو تم الإعلان أنه هو من قدم استقالته.
ولهذا صدر التشكيل الوزاري الجديد دون أن يشهد أي تغيير، فقد احتفظ جميع الوزراء بمناصبهم، وهو ما يعكس أن الهدف كان رئيس الوزراء فقط.
أيضا يأتي تعيين خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني الذي كان يشغل منصب رئيس الديوان الأميري منذ 11 نوفمبر 2014، والذي يعمل بشكل لصيق مع أمير قطر على مدار 14 عاما منذ أن كان وليا للعهد، خلفا لرئيس الوزراء وزير الداخلية السابق، ليؤكد أن الإطاحة بعبدالله بن ناصر نتيجة معاناة تميم من أزمة ثقة فيمن حوله.
والمتتبع للسيرة الذاتية لرئيس الوزراء الجديد خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني يدرك جيدا أن هذا الرجل محل ثقة كبيرة من أمير قطر تميم بن حمد، بل نجح أن يحوز ثقته منذ أن عمل معه قبل 14 عاما حينما كان وليا للعهد، فتدرج سريعا في المناصب القريبة منه حتى عينه اليوم رئيسا للوزراء.
وقد التحق بالعمل في الديوان الأميري بمكتب ولي العهد (تميم آنذاك) في مارس 2006، وسريعا عُيّن مديرا لمكتب السكرتير الخاص لتميم في 11 يوليو 2006، ثم رقيّ مجددا وتولى منصب مدير مكتب ولي العهد في 9 يناير 2007، ومع تولي تميم الحكم في يونيو/ حزيران 2013 عينه مديرا لمكتبه، قبل أن يعينه في منصب رئيس الديوان الأميري في 11 نوفمبر 2014.
ويؤكد هذا الأمر أنه تم تعيين خالد بن خليفة أيضا في منصب وزير الداخلية الذي كان يشغله عبدالله بن ناصر رغم أنه ليس لديه أي خلفية أمنية أو عسكرية على عكس من سبقه في تولي هذا المنصب، ما يعكس معاناة أمير قطر من أزمة ثقة وحالة قلق بشكل واضح.
ويقول مراقبون إن جذور تلك الأزمة بدأت تظهر لدى تميم منذ أن ترأس عبدالله بن ناصر وفد قطر في القمة الخليجية التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض ديسمبر الماضي، وترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحظي خلالها عبدالله بن ناصر بحفاوة في الاستقبال مثل غيره من رؤساء وفود دول مجلس التعاون، إلا أن تلك الحفاوة والاستقبال أقلقا تميم بن حمد.
السبب الثاني يرتبط بالسبب الأول وهو وجود مخاوف أمنية لدى تميم بعد معاناته من أزمة عدم وجود ثقة فيمن حوله، وارتبط هذا الأمر بتولي عبدالله بن ناصر المناصب الأمنية المهمة داخل الدولة سواء منصب وزير الداخلية أو قائد قوة الأمن الداخلي “لخويا”، لذا جاء قرار تعيين خالد بن خليفة محل ثقته، إلى جانب منصب رئيس الوزراء، في منصب وزير الداخلية الذي كان يشغله عبدالله بن ناصر رغم أنه ليس لديه أي خلفية أمنية أو عسكرية.
إضافة إلى إصدار أمر بتعيين اللواء عبدالعزيز بن فيصل بن محمد آل ثاني، قائداً لقوة الأمن الداخلي (لخويا)، وهو المنصب الذي كان يتولاه أيضا عبدالله بن ناصر رئيس الوزراء وزير الداخلية، وهو ما يشير إلى أن الهاجس الأمني كان موجودا بشكل واضح في تلك القرارات، فالتغييرات شملت بشكل رئيسي مناصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقائد قوة الأمن الداخلي.
ويمكن فهم أهمية هذا المنصب من أهمية مهام تلك القوة، فهي (لخويا) قوة أمنية نظامية مسلحة وتتبع أمير البلاد مباشرة ومن اختصاصاتها التصدي للأعمال الإرهابية والأعمال المخلة بالأمن الداخلي لأعمال الشغب، وتفريق المظاهرات وتأمين خط سير المواكب الرسمية للأمير وكبار الشخصيات.
وهو الأمر الذي يعني وجود أزمة ثقة ومخاوف أمنية في الدائرة المقربة من أمير قطر، دفعته لاتخاذ تلك الإجراءات، وهو ما يعكس حالة الارتباك التي يعيشها النظام القطري بشكل عام وتنعكس بشكل رئيسي على فشل في الأداء على مختلف الأصعدة، لا سيما على صعيد السياسة الخارجية وعلى الصعيد الاقتصادي.
السبب الثالث هو رغبة تميم بن حمد في تقديم عبدالله بن ناصر ككبش فداء أمام الشعب القطري الساخط على سياساته، لتحميله مغبة الفشل المتواصل في أداء النظام القطري، لا سيما في ظل استمرار أزمة قطر، وفشله في حلها حتى الآن، مع قرب مرور ٣ أعوام على أزمة قطر.
أيضا من علامات الفشل المتواصل أن الأوامر الجديدة الصادرة اليوم تأتي في ظل اهتمام الإعلام العالمي حاليا بالاتهامات الموجهة لقطر بدعم الإرهاب، بعدما أقام المصور الصحفي الأمريكي ماثيو شيرير، الذي خُطف في سوريا نهاية 2012 من قبل جبهة النصرة الإرهابية، دعوى قضائية بفلوريدا ضد مصرف قطر الإسلامي متهما إياه بتمويل خاطفيه.
وتعد هذه أول دعوى قضائية تتهم فيها مؤسسة قطرية بدعم الإرهاب خلال عام 2020، وتضاف تلك الدعوى إلى سلسلة قضايا سابقة حول العالم تواجه فيها قطر وبنوكها اتهامات بدعم الإرهاب.
كما تأتي هذه الأوامر بعد أيام من تأكيد وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء السعودي عادل بن أحمد الجبير في كلمة أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي ببروكسل، استمرار الأزمة مع قطر لعدة أسباب من بينها دعم الإرهاب، قائلا: إن “قطر تمول جماعات متطرفة مثل تنظيم حزب الله، ولدينا مشاكل معها لأنها تتدخل في شؤوننا، ووسائل إعلامها هي منابر لترويج خطاب الكراهية”.
وفي يوم 5 يونيو/حزيران عام 2017، أعلنت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، بسبب إصرارها على دعم التنظيمات الإرهابية في عدد من الساحات العربية، والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي 22 يونيو/حزيران 2017، قدمت الدول الأربع إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلبا لإعادة العلاقات مع الدوحة، كلها تدور في فلك ما سبق أن تعهد به أمير قطر في إطار اتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي 2014.
وبدلا من أن تبدأ قطر في تنفيذ المطالب، استمرت في المكابرة والتدخل في شؤون دول المنطقة الداخلية بشكل يمس أمنها القومي، وشن حملات افتراء وترويج أكاذيب منظَّمة وممنهجة تقوم بها قناة “الجزيرة”.
وأثرت تلك الأزمة على الموقف الاقتصادي سلبا وعلى السياسة الخارجية.
ومطلع الشهر الجاري، باعت قطر أذون خزانة حجمها 600 مليون ريال “164.84 مليون دولار”، في مسعى لتوفير السيولة الشحيحة، لتلبية النفقات الجارية.
كما تراجع إنتاج مصانع قطر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2.5% مقارنة بالشهر السابق له، مدفوعا بضعف الطلب في الأسواق المحلية، وصعوبة منافسة منتجات قطر مع ذات السلع المستوردة من أسواق منافسة.