أوروبا بانتظار “شتاء كارثي”
عجز أوروبي عن توفير بدائل للطاقة الروسية ومخاوف من زيادة التحركات الاجتماعية
أجبر خفض روسيا لإمداداتها من الغاز الطبيعي المرافق الأوروبية على استخدام احتياطاتها التي تُخصّص عادة للاستهلاك خلال ذروة موسم الشتاء.
وقد أظهرت بيانات من “جمعية البنية التحتية للغاز في أوروبا” انخفاض مستويات التخزين هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ منتصف أبريل، وهو الوقت الذي يبدأ فيه التجار عادة تعبئة المرافق، في واحدة من أحدث العلامات على كيفية تصاعد أزمة الطاقة في المنطقة.
ووسط عدم جدوى حلول القادة الأوروبيين لحل أزمة الطاقة التي عقّدتها العقوبات الغربية، تزداد المخاوف في القارة العجوز من “شتاء كارثي” مما يثير مزيدا من التحركات الاجتماعية قد تنعكس سلبا على موقف الحكومات تجاه حرب أوكرانيا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بعد اجتماع لرؤساء دول وحكومات الاتحاد في قمة في بروكسل يوم الجمعة: “لقد راجعنا كل خطط الطوارئ الوطنية لضمان استعداد الجميع لاضطرابات جديدة ونعمل على خطة طوارئ لتقليل الطلب على الطاقة مع القطاع والدول الأعضاء السبع والعشرين”، موضحة انها ستقدم هذه الخطة في يوليو المقبل.
شتاء صعب للغاية
من جانبه، قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو “سنواجه أوقاتا مضطربة للغاية، وربما يكون هذا الشتاء صعبا للغاية”، على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والاضرابات في إمدادات الطاقة من روسيا.
وزعم دي كرو إن ما يجري هو “حرب اقتصادية ضد أوروبا، ويمكن الشعور بتأثيرها بشدة”، داعيا الأوروبيين إلى التكاتف. وحذر من أنه “إذا واجهت ألمانيا مشاكل، فسيكون لذلك تأثير كبير على بقية الدول الأوروبية”.
كما دعت الدول السبع والعشرون المجلس والمفوضية الأوروبيين في خلاصات القمة الجمعة، إلى اتخاذ إجراءات “لتنسيق أوثق” بشأن سياسات الطاقة الوطنية، وخاصة فيما يتعلق بشراء الطاقة وتخزينها.
وأشارت فون دير لاين إلى الإستراتيجية الأوروبية التي تم تقديمها في 18 مايو بقيمة 300 مليار يورو، وتقوم على ثلاث ركائز: توفير الطاقة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة وتنويع موردي الغاز والنفط.
كما دعت دول التكتل المفوضية إلى درس جدوى فرض “قيود موقتة على الرسوم الجمركية على واردات” الطاقة. وطلبت فرنسا إصلاح سوق الكهرباء الأوروبية التي تحدد أسعارها تبعا لأسعار الغاز التي ارتفعت بشكل كبير.
ووعدت فون دير لاين باقتراح “خيارات متعددة” بعد الصيف، ستتم مناقشتها في المجلس الأوروبي المقبل في أكتوبر.
استهلاك أوروبا من الطاقة الروسية
وتستهلك دول الاتحاد الأوروبي نحو 40 في المئة من وارداتها من النفط ومشتقاته من روسيا، والتي تصل إلى نحو 6.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام ووقود الديزل.
وتعقيبا على ذلك، قال آميد شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن): “قد تكون هناك عاصفة شتوية كاملة تختمر في أوروبا حيث تسعى دول القارة إلى الحد من إمدادات الغاز الروسي، وصلت أزمة الطاقة- التي بدأت في خريف 2021 وضغطت بشدة على مواطني الدول الأوروبية – إلى ذروتها، وقد يستمر هذا الوضع غير المستقر حتى شتاء 2022″.
وأضاف شكري، “كانت روسيا أكبر مورد للغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي منذ عقود، وقد استفاد الجانبان من احتياجات بعضهما البعض. لكن في بعض الأحيان، تصاعدت خلافات الغاز بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا. اندلعت التوترات في عامي 2006 و2009، ثم في عامي 2013 و 2014، مما خلق مشاكل للقارة الخضراء في توفير الطاقة لمواطنيها وصناعاتها”.
وتابع: “لأسباب مختلفة، سعت الدول الأوروبية دائمًا إلى تقليل اعتمادها على واردات الغاز الطبيعي من روسيا، لكن هذا الهدف كان من الصعب جدًا تحقيقه، ولا تزال روسيا توفر حوالي40 ٪ من استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي”.
نقطة ضعف رئيسية
ومضى قائلا: “اعتماد أوروبا على إمدادات الغاز من خارج القارة (كل من روسيا والولايات المتحدة) يمثل نقطة ضعف رئيسية بالنسبة لهم. لكن لديهم خياران فقط لتلبية احتياجاتهم من الطاقة: إما من خلال خطوط الأنابيب، وهي أقل تكلفة ولكن في أيدي المصدرين. الطريقة الثانية هي شراء مكثفات البضائع على متن السفن، مما يوفر لأوروبا المزيد والمزيد من الموارد المتنوعة لشراء الغاز، ولكن بتكلفة أعلى”.
وأشار إلى أن “معظم الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة حاولت خفض اعتمادها على الغاز الروسي. لكن حرب أوكرانيا قد تؤدي دون وعي إلى قطع إمدادات الغاز الروسي. قد يكون حظر الطاقة على جدول الأعمال انتقاما من العقوبات الغربية، أو قد يؤدي الصراع في أوكرانيا إلى إتلاف طرق الإمداد حيث يصل 52 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى أوروبا عبر أوكرانيا أو الطرق المجاورة”.
ولفت إلى أنه “على الرغم من أن الطلب المتزايد قد أدى إلى زيادة مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة حول العالم خلال العقد الماضي، إلا أن الجداول الزمنية للبناء تعني أنه قبل عام 2024، من غير المرجح أن تساعد هذه المشاريع في توفير الغاز المطلوب”.
الاندفاع المجنون
بدوره، قال المحلل التشيكي الكندي المتخصص في الشؤون الدولية، ميتشل بيلفر، إنه بالنسبة للجزء الأكبر من الغرب، قررت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذ الضربة الاقتصادية للدفاع عن النظام القائم على القواعد الذي ساعدا في تصميمه في أوروبا ما بعد الحرب الباردة.
وأضاف بيلفر، وهو مدير مركز أبحاث في روما، “إذا كان هناك أي شيء، فإن الأوروبيين يظهرون أنهم مرنون إلى حد ما وقادرون على اتخاذ قرارات من شأنها أن تعيدهم إلى الوراء في مجالات أخرى ذات أهمية مثل حماية البيئة وتقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة القذرة مثل الفحم. إعلان ألمانيا أنها ستبدأ في استخدام الفحم مرة أخرى هو مثال جيد على ذلك”.
وتابع: “قد تتغير الأمور بحلول الشتاء ولكن كما هو الحال الآن، وطالما استمرت الولايات المتحدة في تولي زمام المبادرة، فإنني أشك بشدة في أنه سيكون هناك تراجع، لكن في فرنسا، اليسار المتطرف واليمين المتطرف، وكلاهما حقق مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، سيستغلان الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون من أجل تحقيق مكاسب. قد يكون لديهم حافز للضغط على ماكرون لتقديم تنازلات لروسيا، لكن القيام بذلك سيعزلهم عن أحزابهم الشقيقة في جميع أنحاء أوروبا ومن الناخبين في فرنسا. يستمر النظر إلى حرب روسيا ضد أوكرانيا بشكل سلبي عبر الطيف السياسي”.
وأشار إلى أنه “في الاندفاع المجنون لتأمين إمدادات الطاقة البديلة، وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد تعهدت بمساعدة أوروبا على تلبية احتياجاتها من الطاقة، إلى جانب مجموعة متنوعة من المبادرات الأخرى، فهذا يعني أن درجة الحرارة لن تحدد نهاية الحرب”.