إخونجية تونس يصعدون خطابهم التحريضي ضد الرئيس سعيد
ويتهمونه بالتسلط ومخالفة الدستور
يتجه الصراع السياسي في تونس بين رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ورئيس حركة النهضة الإخونجية، راشد الغنوشي، للخروج أكثر فأكثر إلى العلن، فيما كانت النهضة تنفي حقيقة خلافاتها العميقة مع الرئاسة.
وظلت حركة النهضة تدعو للجلوس إلى طاولة الحوار، باحثة عن ما سمته بـ”توافق” يرفضه رئيس الجمهورية الذي رد على دعواتها في أكثر من مناسبة بأنه لن يجلس مع الفاسدين، فأصدرت حركة النهضة بيانا رسميا وقعه الغنوشي، اتهم فيه رئيس الجمهورية بالتسلط ومخالفة الدستور.
واعتبرت الحركة الإخونجية في البيان، إعلان رئيس الدولة نفسه قائدا أعلى للقوات المدنية الحاملة للسلاح، بمثابة دوس على الدستور وقوانين البلاد، وتعد على النظام السياسي وعلى صلاحيات رئيس الحكومة، وأضافت أنه يكرس النزوع “التسلطي لرئيس الدولة”.
بيان اللاعودة
وقال النائب العياشي الزمال، في تصريحات صحافية، إن بيان حركة النهضة يمثل “بيان اللاعودة” في مسار خلافات الغنوشي وسعيد، حيث أعلنت حركة النهضة لأول مرة القطيعة مع رئيس الجمهورية بخطاب حاد ويتجه إلى التصعيد.
واستغرب النائب عنف الرد من حركة النهضة على ما قدمه الرئيس من قراءة دستورية قائلا “إن تصعيد حركة النهضة للخلافات وسع الهوة الكبيرة أصلا بين مجلس نواب الشعب ورئاسة الجمهورية وهو ما لا يخدم مصلحة تونس في الوضع الصحي والاقتصادي الحالي”.
وتأجيجا لهجمة حركة النهضة على قيس سعيد، نشر النائب راشد الخياري المحسوب على “ائتلاف الكرامة”؛ الجناح العنيف لحركة النهضة، مقاطع فيديو قال فيها إن قيس سعيد تلقى دعما وتمويلا خارجيا لتعزيز حظوظ وصوله إلى قصر قرطاج في انتخابات 2019، متهما رئيس الجمهورية وإدارة حملته الانتخابية بارتكاب جرائم أمن دولة وتمس من حرمة الوطن وتبطل نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
القضاء العسكري يفتح تحقيق
وعلى خلفية هذه التصريحات، بادر القضاء العسكري، الثلاثاء، بفتح تحقيق في مزاعم النائب راشد الخياري، وقال المحامي ياسين عزازة إن حديث الخياري في الفيديو المنشور عن تلقيه معلومات من مخابرات دولة أجنبية تجعله في حالة تلبس وتعرضه لجرائم خطيرة وهي التخابر مع جهة أجنبيّة والتنصت بعد إقراره بحصوله على تسريبات هاتفية رسمية تعود لمؤسسة الرئاسة، إلى جانب تهمة سب وشتم رئيس الجمهورية، وطالب المحامي برفع الحصانة عن النائب احتراما لقانون ومؤسسات الدولة التونسية.
من جهته، بادر حزب مشروع تونس التي يرأسه السياسي محسن مرزوق بإدانة الحملة التي تقودها حركة النهضة لاستهداف رئيس الجمهورية في بيان قال فيه” إنها تتهم رئيس الجمهورية بأخطر الاتهامات قبل التحقق منها وقبل تعهد القضاء بها”، مطالبا باتخاذ كافة الإجراءات القانونية لوضع حد لوضعية التعفن السياسي الذي أصاب المشهد العام”.
التخابر مع جهات خارجية
ويرى مراقبون أن الحملة التي تشنها حركة النهضة الإخونجية ضد رئيس الجمهورية، استعرت بالأساس بعدما ترددت أخبار في الكواليس عن عزم قيس سعيد فتح ملفات فساد هي الأخطر منذ 2011، تتعلق بتلقي تمويلات أجنبية وتبييض الأموال وشبهات التخابر مع جهات خارجية تهم قيادات حزبية ونوابا ورجال أعمال.
وقامت لجان أمنية وقانونية بالعمل على هذه الملفات طيلة أشهر في كنف السرية، ويقال إن الوقت قد حان لكشف من يقف وراء الفساد الذي ينخر الحياة السياسية والاقتصادية في تونس بعد الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد أواخر 2010.
وطالما أشار الرئيس قيس سعيد وألمح إلى هذا الفساد في كل خطاباته، وهو ما ترفضه حركة النهضة لأنه قد يمس رجال أعمال وشخصيات مقربة منها.
وربما تزيد حرب ملفات الفساد من تعقيد الوضع السياسي في البلاد، وفق الكثيرين، خاصة بعد أزمة الصلاحيات التي فجرها تصريح سعيد بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، وهو ما ترفضه حركة النهضة وتعتبره تعديا على صلاحيات رئيس الحكومة المقرب منها، والذي اعتبر بدوره تصريحات سعيد مسا من صلاحياته باعتباره رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
صراع سياسي ومؤسساتي
وأفاد أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق بن مختار،، بأن خلاف الرئاسات الثلاث هو في الحقيقة صراع سياسي ومؤسساتي حول من يحكم البلاد، معتبرا جر المؤسسة الأمنية إلى مربع الصراع خطأ سياسيا لأن الأمن في تونس جمهوري والقوات الأمنية عليها واجب الحياد.
في غضون ذلك، فسر الباحث في العلوم السياسية، محمد ذويب، “أن صراع الصلاحيات بين القصبة (مقر الحكومة التونسية) وقرطاج (القصر الرئاسي)، من جهة، ثم القصبة وقرطاج وباردو من جهة أخرى اتخذ أبعادا متعددة وانطلق منذ إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ من قبل حركة النهضة بذريعة تضارب المصالح.
زيارة سعيد إلى مصر وليبيا
وأضاف أن ما حصل تطور في علاقة بموقف قيس سعيد إزاء التوجهات الدولية للدولة التونسية وعلاقاتها الخارجية التي أرادها أن تكون بعيدة عن سياسة المحاور وتتوخى الحياد وخاصة في المسألة الليبية، وهو ما ترفضه حركة النهضة ثم تعمق الخلاف.
وأورد أن الخلاف بلغ أقصاه بعد زيارة الرئيس سعيد إلى ليبيا ومصر وما وجده من حظوة وقبول لدى البلدين وقيادتهما، فتصاعدت بعدها حملات التشويه والافتراءات من قيادات النهضة وصفحاتها الإلكترونية ضد رئيس الجمهورية وسياساته وتصريحاته.
ويبدو أن الصراع سيتعمق أكثر بعد أن يسرع الرئيس قيس سعيد في حسم ملفات قضائية حساسة، في إطار المساواة بين المواطن البسيط وبين رجل الأعمال المتنفذ والنائب ذي الحصانة والمقربين من رئيس البرلمان.