إدراك إعلام الإخوان لمصر: الإجابة في علوم النفس
حين يتابع المرء بدقة مضمون إعلام الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر ومن خارجها، سواء أطلقه منتمون للجماعة أو “ملتحقون” بها من تيارات أخرى، يلحظ إشكالية نفسية كبيرة تتعلق بإدراكهم حقيقة ما يجري في هذا البلد الكبير.
وخلال الأعوام التسعة، التي تلت إسقاط حكم الإخوان في مصر في 30 يونيو 2013 وحتى اليوم، يتأكد تماما أن الإدراك الخاطئ والزائف لإعلامهم حول مصر وما بها وما ينتظرها، لم يتغير إطلاقا طوال هذه الفترة، وظل محتفظا بكل خواصه، التي تكاد تحوله إلى ظاهرة مَرَضية محل التعامل الطبيعي معها هو علوم الأمراض العصبية والنفسية والاختصاصيين فيها.
وأول خواص هذا الإدراك الزائف لدى إعلام الإخوان وملتحقيه تجاه مصر، هو أن تغطياتهم لا تخرج أبدا طوال الوقت عن كونها ردود فعل وهوامش للتعليق على ما يجري في مصر ويحدث بها من أفعال وقرارات وسياسات، سواء كانت داخلية أو خارجية.. ويعكس كل ما يُنشر ويُبث من الإخوان وملتحقيهم عبر وسائل إعلامهم حالةً مَرَضية مُزمنة تصل إلى حد الوسواس القهري للتربص على مدار الساعة منهم بما تقوم به الدولة المصرية في البلاد وخارجها.
ولأن هذه الحالة تبدو مسيطرة عليهم تماما، فلا يوجد في مضمون نشرهم وبثهم سوى ردود الفعل على كل ما تقوم به الدولة المصرية وتشويهه بكل السبل الممكنة، وليس تقديم أي تصور -ولو بدائي- للبدائل، التي لديهم لهذه السياسات والقرارات، وهو ما يطيح بسهولة بكل دعايتهم وأوهامهم بأنهم قادرون على إدارة شؤون مصر، وهو ما كذّبته تجربة العام الوحيد البائس، الذي حكموها خلاله قبل أن يطيح شعبها العظيم بهم.
وثاني خواص هذا الإدراك الزائف لدى إعلام الإخوان هو الإنكار المَرَضي لكل ما شهدته وتشهده مصر خلال الأعوام التسعة الماضية من تطورات إيجابية داخلية وخارجية كبيرة كانت أم صغيرة.
فلم يحدث في مصر طوال هذه السنوات، بحسب هذا الإنكار المَرَضي، أي شيء إيجابي، وسارت كل الأوضاع من السيئ إلى الأسوأ! وعندما يصعب عليهم إنكار تطور ما إيجابي داخلي أو خارجي، فهم يلجؤون إلى آلية أخرى تتكامل مع الإنكار، وهي التجاهل التام، وكأن لا شيء حدث.
الإنكار والتجاهل يعبران بدقة عن حالة نفسية مَرَضية، واعية أو غير واعية، تنتاب القائمين على إعلام الإخوان وملتحقيه، فالتعريفات العلمية المختلفة لحالة الإنكار تتفق على أنه اختيار الشخص لإنكار الواقع كوسيلة لرفضه وتجنب الحقائق غير المريحة له من الناحية النفسية، وأنه حالة من الصدمة وطريقة دفاع نفسية للتعامل مع الحقائق برفض قبولها، وأنه في النهاية عملٌ غير عقلاني يحجب عن القائم به حتى مجرد التحقق من تجربة أو حدث تاريخي واقعيَّين.
وأما ثالث خواص الإدراك الزائف لإعلام الإخوان وملتحقيهم، فهو وهمٌ سيطر عليهم طوال السنوات التسع، التي تلت سقوط حكمهم، ووصل إلى حد الهاجس المَرَضي أو الوسواس النفسي، الذي لا يملُّون من تكراره والإلحاح عليه، وهو ما يعتبر في علوم النفس أحد المظاهر الأساسية لهذا الوسواس.
فهذا الوهم أو الوسواس يتلخص في قراءتهم لكل ما شهدته مصر طوال الأعوام التسعة ومنذ بدايتها، باعتباره خطوات واضحة لقرب السقوط الوشيك للنظام المصري!
ويسيطر هذا الهاجس المَرَضي على إعلاميي الإخوان وملتحقيهم ويستغرقون فيه إلى حد تكراره في كل تعليق منهم على قرارات الدولة المصرية وسياساتها ومواقفها الداخلية والخارجية، بصورة يومية ولا تتوقف على مدار الساعة طوال هذه السنوات.
الخلاصة البسيطة الواضحة هي أن قراءة وتحليل إعلام جماعة الإخوان الإرهابية والقائمين عليه من أعضائها وملتحقيهم، لا يخضع فقط لعلوم الإعلام والسياسة، ولكن معها أيضا -وربما قبلها- علوم النفس بمختلف نظرياتها وفرضياتها، فهي وحدها التي تقدم لنا تفسيرات علمية مقنعة لما يكتبونه ويبثونه في مختلف أنواع وسائل إعلامهم.