استقالة مهاتير محمد تكشف عن أزمة سياسية كبيرة في ماليزيا
لا شك ان ماليزيا افاقت على صدمة وخبر مفاجئ وذلك بإعلان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد استقالته وتقديمها الى الملك الذي قبلها.
ماليزيا خلال قرابة عامين من حكم مهاتير محمد صارت امتدادا لتيار اشكالي في مجال السياسة، تيار شمل الى جانب ماليزيا كل من تركيا وايران وقطر وبما يشوب ذلك من انجراف إخونجي لم يكن يليق بمسيرة مهاتير محمد الذي عرف بعدم تعاطفه مع ذلك التيار ابان سنوات حكمه السابقة مع انه كان يغض الطرف عنهم خشية تداعيات اجتماعية في مجتمع الملايو.
وتحدثت تقارير عن أزمة سياسية فجرتها استقالة مهاتير محمد بعد فشل المحادثات لتشكيل ائتلاف حكومي جديد يستبعد خليفته المنتظر أنور ابراهيم .
ويرى مراقبون أن قمة كوالالمبور الإسلامية التي جرى تنظيمها في ديسمبر الماضي، ودار حولها جدل كبير بشأن نوايا الدول المشاركة فيها ومدى تمثيليتها للدول المسلمة، لم تنجح في وضع حدّ للخلافات السياسية الداخلية.
وبعد انتهاء الجدل الذي دار حول هذه القمة التي يرى البعض أنها كانت تهدف إلى احتواء تحرّكات السعودية وحلفائها، ظهرت حدّة الخلافات السياسية الداخلية في ماليزيا.
ولم يكن هناك إجماع بين الدول ذات الغالبية المسلمة على المشاركة في هذه القمة، باعتبار أن نواياها لا تهدف إلا إلى ضرب تحرّكات السعودية بتحريض من تركيا وقطر، وكذلك إلى تحقيق مكاسب سياسية لمهاتير وائتلافه والتمكّن من الصمود لمزيد من الوقت.
أتت الخطوة المفاجئة للاستقالة بعد تطورات سياسية كبيرة في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة شهدت محاولة من خصوم أنور داخل ائتلافه “تحالف الأمل” ومن معارضين سياسيين، لتشكيل حكومة جديدة.
ويبدو أن الائتلاف الذي حقق فوزا تاريخيا في انتخابات العام 2018، كان ليستبعد أنور ابراهيم وغالبية النواب في حزبه، ما كان ليمنعه عن تولي رئاسة الحكومة قريبا.
ومعروف أن العلاقة كانت عاصفة بين أنور ابراهيم ومهاتير محمد أكبر قادة العالم سنا، إلا أنهما تصالحا قبل انتخابات العام 2018 وقد وعد مهاتير مرارا بأنه سيسلم السلطة إلى خصمه السابق لكنه رفض تحديد موعد حتى الآن. ولم تتضح بعد الخطوات التالية.
إلا أن أنور ابراهيم سيلتقي بعد ظهر الاثنين ملك البلاد الذي يتمتع بدور بروتوكولي خصوصا، إلا أنه يصادق على تعيين رئيس الوزراء. وقد يسعى أنور ابراهيم إلى اقناعه بأنه يملك ما يكفي من دعم نيابي لتشكيل الحكومة على ما قال مراقبون.
ويبدو أن محاولة تشكيل حكومة جديدة تلاشت صباح الاثنين، قبل أن يعلن مكتب مهاتير استقالته في رسالة وجهها إلى الملك عند الساعة الواحدة ظهرا.
ولم تتضح بعد الخطوات التالية، لكن حزب “بيرساتو” الذي يتزعمه مهاتير أعلن أيضا أنه سيغادر “تحالف الأمل” ما قد يؤشر إلى أنه سيحاول من جهته أيضا تشكيل حكومة.
وكان حزب عدالة الشعب برئاسة أنور ابراهيم أعلن في وقت سابق إقالة اثنين من خصوم هذا الأخير في الحزب هما محمد ازمين علي وزريدو قمر الدين اللذين يعتبران من الشخصيات الرئيسية التي تقود محاولة تشكيل حكومة جديدة لتعطيل وصوله إلى هذا المنصب.
مهاتير رفض مرارا وتكرارا تحديد موعد لتسليم السلطة إلى أنور ابراهيم ما ادى إلى توترات داخل الائتلاف المؤلف من أربعة احزاب. وكان مهاتير تولى رئاسة الحكومة من قبل بين العامين 1981 و2003.
وقد هيمنت العلاقة الصعبة بينهما على المشهد السياسي في ماليزيا في العقدين الأخيرين.
وكان يتوقع في الماضي أن يخلف أنور الذي كان وزيرا للمال، مهاتير في رئاسة الحكومة إلا أن هذا الأخير طرده بعد خلاف بينهما حول حل الأزمة المالية في البلاد.
وأوقف أنور وأودع السجن بعد إدانته بتهمة ممارسة اللواط والفساد لكنه خرج من السجن ونجح في توحيد صفوف المعارضة المتشرذمة وتحويلها إلى قوة قادرة على الوقوف في وجه الحكومة المتواجدة في السلطة منذ فترة طويلة.
في صيف العام الماضي كان مهاتير محمد في ضيافة أردوغان في زيارة استغرقت أربعة أيام قوبلت بحفاوة غير مسبوقة من طرف أردوغان الذي اقنع ضيفه بانشاء تحالف يضمن البلدين الى جانب باكستان لكن ذلك التحالف لم ير النور قط وكان التقارب مع ايران وقطر بديلا غير ذا تأثير يذكر.
وفي نظر مراقبين للمشهد السياسي في ماليزيا فإن رأيا عاما واضحا في ماليزيا ظل يرفض أي ميول او اتجاهات باتجاه الإسلام السياسي ولهذا لم يكن في مسار السياسة الماليزية ان تنحرف البوصلة باتجاه تركيا وايران وقطر وان يبالدها مهاتير الود مع انه معروف بميوله باتجاه العصرنة والتحديث في جميع المجالات.
وعلى هذا فلا شك ان هذه الدول الثلاثة هي اكبر الخاسرين من انتهاء صفقة العلاقات مع مهاتير.
خرج مهاتير محمد ذا ال92 عاما من المسرح السياسي وبخروجه طارت في مهب الريح مشاريع خيالية واستعراضات لا تستقيم على ارض الواقع بتشكيل تحالف خيالي قطباه تركيا وماليزيا تتبعه ايران وقطر حتى صار نسيا منسيا.