الإخوان وأزمة المعرفة
منير أديب
جماعة الإخوان الإرهابية من أكثر تنظيمات التطرف جهلًا بالدين، رغم ادعاء قادتها العلم والمعرفة، وتلك هي طامة الجاهل الذي لا يشعر بجهله.
حالة الجهل أو اللا معرفة، التي يعيشها تنظيم الإخوان، تم تخليقها داخل لجان ما يُسمى “التربية” داخل التنظيم، والهدف منها إنتاج أجيال داخل هذا التنظيم لا يُحركها إلا مبدأ السمع والطاعة، بينما تجهل أبسط قواعد العلم والمعرفة.
ينشغل التنظيم أكثر بتربية قواعده على مبادئ الطاعة في المكرَه والمنشَط، أما فيما يتعلق بالقواعد الشرعية والفقهية، فغالبًا يتم تدريسها من كتب خطّها الإخوان وقادتهم، أو وضع عليها اسم مستعار، وبالتبعية هذه الكتب تُعبر عن رؤية الإخوان لا عن حقيقة الدين.
يقوم التنظيم بتربية أفراده وأتباعه في سراديب تحت الأرض، وفق مناهج تربية يتم تغييرها ربما كل خمس سنوات، تحت إشراف ما يسمى “مكتب الإرشاد”.. مناهج ربما تسمح بأن يكون عضو التنظيم تابعًا، وأن تكون كل أفكاره ومعارفه مستقاة مما طرحه التنظيم فقط، حتى لا يتأثر بما هو مطروح في فناء المعرفة العامة.
“الإخوان” كتنظيم لديه مشكلة تتعلق بالمعرفة، مثل كل تنظيمات الإسلام السياسي، لذلك يحاول تحييد أتباعه ممن يتطلعون إلى القراءة والمعرفة بأنواعها، فإذا ما تم تحييدهم داخل التنظيم سُمح لهم بأن يتدرجوا في المواقع التنظيمية، وما دون ذلك يلفظهم التنظيم أو هم يلفظونه.
قد يقبل تنظيم الإخوان بأي عيوب في الأعضاء الجدد المنضمين للتنظيم، حتى لو كانت مآخذ أخلاقية أو سلوكية، ولكنه لا يقبل بأي حال بمن يتطلعون للمعرفة، فخطر هذه النوعية -من وجهة نظر التنظيم- أنها تؤثر في غيرها داخل التنظيم، حيث تطلب تفسيرًا للمواقف، كما أنها تتمرد على القرارات وتفندها، وهو ما لا يقبله التنظيم.. فدائمًا يتم تصعيد الجهلاء المطيعين من التنظيم لقيادته، فالتنظيم هو عبارة جهالة مبنية بشكل هرمي، وربما تكون لهذا عَلاقة بأنه كلما كان أكثر جهلًا كان مطيعًا لأوامر قادة التنظيم دون أي نقاش.
المعرفة هي الآفة الكبرى التي تقاومها التنظيمات الإسلاموية، فقادة هذه التنظيمات يُدركون أنهم إذا سمحوا لأعضائهم بالبحث والمعرفة، فهذا قد يُهدد مستقبلهم في القيادة ومستقبل التنظيم، وهنا يتعامل “الإخوان” بمكر، إذْ إنهم يدّعون عدم فرض أي حواجز على عقول أتباعهم، ولكن مناهج التنظيم التربوية وأسلوب تربية هؤلاء الأتباع، فضلًا عن طرق التصعيد داخل التنظيم، كلها تذهب في اتجاه أن السعي من جانب العضو لمعرفة أخرى غير معرفة التنظيم تعني الخروج والطرد.
التنظيم يضع عددًا من الكتب التي أنتجها، أو كتب قادته، ويرى أنها الأولى بالمطالعة من قبل أعضائه، وهي كتب في حقيقة الأمر ترسّخ لمفاهيم التنظيم العقيمة، فضلًا عن أنها تكون أكثر تشددًا في قراءة كتب فقهية أو زاوية لم ينحَز إليها التنظيم في التفسير مثلًا، فهذه النوعية من القراءة تُهدد بقاء روادها في تنظيم الإخوان، بالإضافة إلى فرض التنظيم رقابة على أي مطبوعات بخلاف ما ينتجه، ويقوم بتفكيك أي أفكار تتسرب إلى عقول الأتباع، حتى يمحو أي أثر في وعي الفرد الإخواني يتعارض مع إرادة التنظيم.
تشعر بتشابه شديد بين أتباع الإخوان في كل مكان، هذا التشابه نتيجة المناهج التربوية التي يستقيها هؤلاء جميعا من معين واحد، فهي التي تُشكّل شخصياتهم، وترسم مستقبلهم المعرفي وتحدده، فلا يخرجون عن إطاره، وهنا يبدو الأتباع كأنهم نسخٌ مكررة.
النموذج الذي ينتجه التنظيم غالبًا ما يكون عالة على الفكر والمعرفة ويصب في اتجاه التطرف، وإذا حضر التطرف غابت المعرفة، لكن النوع الوحيد من المعرفة المسموح به داخل الإخوان وما شابهه من تنظيمات الإسلام السياسي، فهو معرفة التطرف والتوغل في أفكاره.
خطر الإخوان ليس فقط في كونهم تنظيمًا يُهدد أمن البلدان التي يوجد فيها، ولا في عدم إيمانهم بمفهوم الدولة الوطنية، ولا حتى في إيمانهم بمشاريع أكثر تطرفًا تُهدد الأمن السياسي والاجتماعي للأوطان، ولكن خطر التنظيم فيما يؤمن به من أفكار وفيما يروجه من معارف.. لذلك فإن ثمرة التطرف نبتت داخل شجرة الإخوان، ومن فروعها خرجت تنظيمات إرهابية كـ”القاعدة” و”داعش”.
إن مواجهة أفكار الإخوان تتطلب حصرا دقيقا لكل ما أنتجه التنظيم من معرفة مسمومة، والوقوف جيدا على حجم هذه المعارف لرصد برنامج مواجهة فكري معرفي بالمقابل.. فمواجهة الإخوان بالمعرفة تتطلب طريقة إبداعية ذات أثر نوعي في تفكيك تنظيم الإخوان فكريا ومعرفيا، فرغم سهولة هذه المواجهة، لم نلتفت إليها ولا لأهميتها لوقت طويل، ولم نبذل جهودًا تستحق في إطارها بعد، إلا بعض محاولات فردية دون عمل مؤسسي ناجز ونافع.