الإخوان وتزوير التاريخ
منير أديب
زوّرت جماعة الإخوان الإرهابية التاريخ، حتى تبدو على غير صورتها الحقيقية.. فهذا هدفها الأهم، أن يظهر أعضاؤها أمام النّاس كملائكة، ويظهر خصومهم كشياطين!
يلعب تنظيم الإخوان دائمًا على عقل المتلقي، إذ صرفوا جُلّ نشاطهم في تغيير الانطباع عن أفعالهم، فيما يكشفهم خطابهم المعلن والمستتر، فأول التزوير هو تصوير أنفسهم كتنظيم “دعوي”، رغم أنهم مارسوا السياسية تحت غطاء دعوي مزوّر، فكانوا أكذب النّاس مراوغة وتلاعُبا من أجل حلم السلطة والحكم.
جريمة التزوير الثانية للإخوان تتمثل في أنهم صرفوا أذهان النّاس عن العنف، الذي مارسوه قديمًا وحديثًا، وكانت أدواتهم في ذلك عبر إعادة تسمية العنف! فسمّوا “جناحهم العسكري”، الذي شرعت الجماعة في إنشائه نهاية عام 1938 بـ”النظام الخاص”، لكي لا يوحي بهدفه الحقيقي من التسمية.
الشيء نفسه فعله التنظيم حديثًا عندما أنشأ عدة أذرع “مليشياوية” لمواجهة السلطة في مصر بعد عام 2013، إذ أطلقوا على هذه المليشيات المسلحة اسم “اللجان النوعية”!
وعندما سُئل الإخوان عن استخدامهم العنف قديمًا وتبريرهم إياه عبر جناحهم المسلح، “النظام الخاص”، كان ردهم أنه كان موجهًا إلى الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت، والحقيقة خلاف ذلك، حيث وجه هؤلاء المتطرفون سلاحهم إلى صدور المصريين جميعًا.
وعندما وُجّه للإخوان ذات الاتهام حديثًا بعد إنشائهم مليشيات إرهابية كـ”سواعد مصر” و”لواء الثورة” وغيرهما، بادر التنظيم بالتبرؤ بما سلكه بعض المنتمين إليه، وكأنه يعاملهم بأنهم خارج التنظيم، رغم أن هذه المليشيات نشأت بعد دراسة “شرعية” أشرف عليها عضو ما يسمى “مكتب إرشاد الإخوان”، محمد كمال، وخرجت برؤية “فقهية” وافقت عليها المكاتب الإدارية للتنظيم في كل المحافظات المصرية، فكان عناصر الإخوان وقود هذه المليشيات فيما بعد ومارسوا كل أشكال العنف والإرهاب ضد المصريين.
صحيح أن الإخوان جمّدوا ما تبقى من هذه المليشيات بعد دحرها على يد قوات الأمن المصرية، كما جمّد مرشد الإخوان الثاني، حسن الهضيبي، “النظام الخاص” أو الجناح المسلح للجماعة، لأن أدرك أن خسائر التنظيم ستكون أكبر مما قد يحققه الجناح المسلح، والذي كان سببًا في إلقاء القبض على أعضاء الإخوان، فضلا عن عملية الاغتيال التي طالت مرشد التنظيم ومؤسسة حسن البنا.
إذًا، فتجميد الإخوان لعمل بعض المليشيات المسلحة قديمًا وحديثًا ليس إيمانًا منهم بالسلمية، كما يحاولون أن يزوّرا التاريخ، ولكن لأنهم أدركوا أن مضار النشاط المسلح قد لا يكون مفيدًا للجماعة التي باتت مهزومة في كل مكان، وأكبر هزيمة مُنيت بها أمام الشعوب العربية، وما حدث في مصر، كان أكبر مثال على ذلك.
لقد كتب الإخوان تاريخهم مرتين، مرة اعترفوا عبر أدبيات موسعة بأنهم استخدموا العنف وأنه أحد أدواتهم الرئيسية المنصوص عليها في “الشرع”/شرعهم، ومرة أخرى حاولوا مسح هذه الأدبيات وإخفاءها عبر كتابة جديدة للتاريخ أو تزوير جديد له لمحو صورتهم الموحشة في عيون وعقول الناس.
يصوّر الإخوان دائمًا كل من ينتقدهم على أنه “صاحب موقف ضد الإسلام”، وهذه في حد ذاتها جريمة اغتالوا من خلالها كل من خالفهم، وهنا ربطوا بين أنفسهم والدين، فأخرجوا منتقديهم من الدين نفسه، تارة بالتصريح وتارة بالتمليح، وقصروا الدين على أفهامهم وأفهام دعاتهم، وصدّروا صورة بأن ما يقال عن الدين خلافًا لما يقولون “مجرد اجتهادات لا علاقة لها بصحيح الإسلام الذي يمثلونه”!
هنا أنشأ التنظيم اتحادًا مارس السياسة أكثر مما مارس الدعوة، ثم أطلقوا عليه “اتحاد علماء المسلمين”، والحقيقة أنه “اتحاد علماء الإخوان”، هذا لو اعتبرنا أن كل الممثَّلين فيه علماء حقًا، والحقيقة أنهم يمثلون خط تنظيم الإخوان، وإن كان ضمن تشكيلاتهم بعض المختلفين، وهذا فقط من قبيل المراوغة الإخوانية وتزييف الصور.
إن الاهتمام بالنشر وكتابة التاريخ أبلغ رد لتفكيك مقولات الإخوان، التي دوّنوها في كتبهم، أو التي يحاولون أن يدونوها الآن عبر تزوير جديد للتاريخ في العصر الحديث، رغم أننا كنّا شهودًا عليه حينما جرت وقائعها، ولكن محاولاتهم مستمرة ودأبهم في كتابة تاريخ يوافق أهواءهم لم ينتهِ ولن ينتهي.