الاتحاد المغاربي ناقص اثنين: لعبة مؤقتة
تزداد التكتلات في أفريقيا وآسيا متانة مع زيادة التحديات الدولية من حروب وأزمات مناخية حادة وتحديات إستراتيجية ناجمة عن الصراعات على مواقع النفوذ. وحده الاتحاد المغاربي يسير إلى الخلف منذ تأسيسه، وتتعطل مؤسساته بسبب الخلاف حول موضوع الصحراء.
وبدلا من البحث عن أرضية مشتركة لتجاوز الخلاف وفتح الباب أمام الوساطات من داخل الاتحاد أو من خارجه والتفاعل مع التطورات التي شهدها ملف الصحراء في السنوات الأخيرة مع تزايد الاعتراف الدولي بمقاربة المغرب كمدخل واقعي لحل النزاع على أسس دائمة، جاءت المبادرة الجزائرية الخاصة باللقاء الثلاثي بين رؤساء الجزائر وتونس وليبيا كإطار بديل عن الاتحاد المغاربي.
ربما ترى الجزائر أنها تتقن المناورة أو أنها سجلت نقاطا على المغرب بمثل هذه المبادرة، لكن المهم ماذا ستكون النتائج. وهل يقدر اللقاء الثلاثي على حل المشكلة، ويحيي الاتحاد المغاربي ويطلق أجنحته. هل الحل في استثناء المغرب وموريتانيا من الاتحاد وبناء اتحاد مهمته الرئيسية تبادل التصريحات المعبرة عن التفاهم والتفاؤل والود؟
كان يمكن للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن يدعو إلى اجتماع للاتحاد المغاربي على مستوى الوزراء، أو أن يطلب من الرئيس التونسي قيس سعيد أن يدعو إلى ذلك طالما أن بلاده ستحتضن اللقاء الثلاثي، ويحضر الاجتماع الوزاري للقاء قمة بين القادة، وقبل ذلك تقدم الجزائر مبادرة تهدئة أو خطابا يظهر الرغبة في كسر البرود مع المغرب من مثل الإعلان عن فتح الحدود التي تم إغلاقها بقرار جزائري، أو الدعوة إلى لقاء قمة ثنائي مع العاهل المغربي الملك محمد السادس في الجزائر أو في الرباط.
ليس أبلغ تأثيرا من مبادرات مثل هذه في تهدئة النفوس، وفي نفس الوقت يؤكد من خلالها الرئيس تبون أن لديه رغبة في تحريك دواليب الاتحاد المغاربي التي طالها الصدأ لسنوات طويلة. حينها إذا تأخر المغرب في الاستجابة فسيكون الحق من جانب الجزائر، خاصة أن العاهل المغربي سبق أن عبر بنفسه عن رغبته في زيارة الجزائر وحث على فتح الحدود.
ماذا ستفيد المغالبة والتحدي، لا شيء بالتأكيد. اللقاء الجديد ربما يعقد مرة أو مرتين ولن يستمر لأن الهدف منه هو تسجيل النقاط وإظهار أن الجزائر تتقن المناورة وبيدها أوراق للرد الفوري على مبادرة المغرب الأطلسية، والتي تهدف إلى جلب دول جنوب الصحراء إلى صفها وسحبها من صف الجزائر، وإغرائها بورقة الإطلال على الأطلسي بما يحمله ذلك من فرص واعدة للتصدير والتوريد، والاستفادة من مشاريع وخطط مغربية كبرى دخل الخليجيون بقوة لتمويلها.
في المقابل، ماذا ستقدم الجزائر لاتحادها الجديد، وكم تقدر على الاستثمار فيه، وما جدية حديثها عن إنشاء مناطق حرة مع دول الجوار خاصة تونس وليبيا وموريتانيا، لأن علاقتها حاليا بمالي والنيجر متوترة، ومن الصعب تنفيذ أي خطط على الحدود. كما أن مشاريع محدودة ماليا وغير فعالة اقتصاديا لا يمكن أن تغري باماكو ونيامي على تغيير الوجهة من مبادرة الأطلسي إلى المشاريع الحدودية.
يقول الجزائريون إن المهم هو النوايا، وطالما أن الفكرة موجودة، فالنتائج ستأتي، لكن بالمنطق ماذا ستحمل المناطق الحدودية، ما هي البضائع المحلية التي سيتم عرضها هناك للمبادلة، ماذا ستنتج مالي والنيجر وموريتانيا لتبادله مع الجزائر، وماذا تنتج الجزائر لتروج له لدى جيرانها الجنوبيين غير سلع مدعومة قادمة من تركيا أو الصين. والأمر نفسه بالنسبة إلى ليبيا.
يبقى الاستثناء هو تونس حيث تتداخل العلاقات لتشمل صورا مختلفة من التعاون، لكنه تعاون محدود النتائج. وتونس تحتاج من جارتها الغربية دعما أكثر فاعلية من أجل الخروج من أزمتها المالية الحادة.
صحيح أن الرئيس التونسي يتفاعل بشكل دائم مع دعوات الزيارة التي ترسلها له الجزائر بما في ذلك حضوره قمة الغاز الأخيرة كضيف شرف. لكن هو في النهاية رئيس دولة وسيبحث عن مصالح بلاده حيثما وجدت. وطالما أن الدعم الجزائري ما يزال في مرحلة النوايا والوعود، فستنتظر تونس، ولكن ليس طويلا.
وتظهر زيارات الرئيس سعيد ورئيس حكومته وعدد من الوزراء في مناسبات مختلفة إلى الجزائر أن قيس سعيد يراهن فعليا على الجزائر لمساعدته على الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها بلاده بالتزامن مع التوتر الناشئ مع الاتحاد الأوروبي والبرود في العلاقة مع صندوق النقد الدولي ومن ورائه الولايات المتحدة، واشتراط دول صديقة ثرية الاتفاق مع الصندوق خطوة رئيسية لأيّ دعم مالي أو استثماري.
لكن المشكلة أن مسار الاتفاقيات قد يطول، وهي تحتاج إلى لقاءات ترتيبية ومشاورات ووقت، وبعضها قد لا يبدأ في وقت قريب، في حين أن تونس تحتاج إلى دعم جزائري عاجل لمساعدتها على مواجهة أزمة التمويل.
وسيكون الموقف من اللقاء الثلاثي كهيكل بديل عن الاتحاد المغاربي مرهونا من الجانب التونسي بالمصالح التي تجدها البلاد فيه، فهي لا تمتلك الوقت ولا الرغبة في دخول لعبة التكتلات مغاربيا ولا إقليميا. وأمر التساؤل التونسي لا يقف عند حدود الجزائر وحدها، فليبيا، التي ستكون شريكا ثالثا في اللقاء الثلاثي سبق أن أطلقت تعهدات ولم تنفذها، تعهدات معلقة ودون أفق.
تونس طلبت تمويلات واستثمارات وفتح الأسواق أمام عمالتها وتسهيل دخول شركاتها إلى الأسواق الليبية ضمن اتفاقيات واضحة سبق أن أبرمها الدبيبة نفسه في زيارته الأخيرة إلى تونس.
ومن بين تلك الاتفاقيات خلاص ديون ومستحقات على ذمة ليبيا لفائدة مؤسسات صحية واستشفائية تونسية كانت استقبلت الليبيين بكثافة خلال ثورة فبراير وما لحقها من صراع بين المجموعات المسلحة في العاصمة طرابلس ومدن أخرى مثل مصراتة والزاوية.
وكان الدبيبة تعهد خلال زيارته الأخيرة إلى تونس في نوفمبر الماضي بـ“تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني ومناقشة عدد من الاتفاقيات التي تساهم في خلق تعاون اقتصادي مثمر وتسهيل عدد من الإجراءات التي تهم المواطنين ورجال الأعمال الليبيين”.
والسؤال الذي يطرحه التونسيون هو لماذا تتأخر حكومة الدبيبة في تنفيذ تعهداتها، وهي تعرف أن تلك التعهدات هي البوابة الرئيسية للتنفيس عن تونس ومساعدتها على التعافي من الأزمة الحادة التي تعيشها، وكيف يمكن لقيس سعيد أن يثق في تعهدات جديدة أو هيكل جديد يكتفي طرفاه بإطلاق الوعود من دون تنفيذها؟
يكون بقاء أي هيكل جديد مرهونا باختبار نتائجه على الأرض حتى يراها الناس. ليس مهما شعارات السياسيين وحماسهم ولا حفاوة الاستقبال، المهم قدرة اللقاء الثلاثي على أن يتحول إلى مشاريع وبرامج، وهو أمر صعب.