التطرف البيولوجي والإرهاب الأيديولوجي
لا يُولد الإنسان مُتطرفًا لكن يتم صناعة التطرف داخل التنظيمات الإسلاموية؛ فتقوم المحاضن التربوية داخل هذه التنظيمات، بإعادة بناء وتشكيل العقل وفق مكونات الكراهية التي تدفع صاحبها إلى ممارسة العنف فيما بعد.
إن مجموع الأفكار التي يُؤمن بها الإنسان هي التي تُحدد وجهته، فإما تصنع منه إنسانًا طبيعيًا أو متطرفًا؛ فكلما ابتعد الإنسان بأفكاره عن الإمساك بأطراف الفكرة كان وسطيًا، بعيدًا عن التأويل والتفسير الظاهري المنحاز بطبيعة الحال للعاطفة لا للعقل في قراءة الواقع.
ولذلك معامل تفريغ المتطرفين تتم في مجتمعاتهم؛ فلا يُولد إنسان متطرف بحاله لكن يتم تهيئته وصناعته، فتجد أناسًا كثيرين تم اختطافهم من خلال الأفكار التي تزرع بداخلهم، وهنا تبدو خطورة هذه التنظيمات على المجتمعات التي تتواجد فيها.
ولذلك التطرف صناعة، والعنف أحد مفرداته؛ والأهم مواجهة الصناعة التي تُولد العنف وعدم الإقتصار على مواجهة العنف نفسه؛ فمواجهة إحدى مخرجات هذه الصناعة كفيل بوجود العنف على المدى القريب والبعيد، وهنا تبدو أهمية تفكيك الصناعة وإبطال مفعولها.
فلا يُولد الإنسان متطرفًا لكن يتم إعداده روحيًا وتلقينه بالأفكار التي تصنع منه مُتطرفًا سواء من خلال الدروس أو المعايشة الروحية أو من خلال المحاضرات الدورية عبر ما يُسمى بالأسر داخل الإخوان، كمثال؛ وهنا تزرع هذه التنظيمات أفكار العنف في عقول أتباعها.
مارست الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر العنف ثم بحثت فيما بعد عن تشريع ديني يُبرر سلوكها، وهنا شرع هؤلاء المتطرفون إلى قتل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، ثم كتبوا الأبحاث التي باتت مصدرًا ملهمًا لممارسة العنف فيما بعد مثال: الميثاق، وقتال الطائفة الممتنعة، داخل السجن وليس خارجه.
لذلك تجد الكثير من هؤلاء ممن راجعوا أفكارهم أو تخلوا عن جزء منها مازالت بقايا العنف بداخلهم حتى وهم يُمارسون العمل السياسي أو الاجتماعي؛ فدراسة استقصائية كشفت عن حجم العنف في الحياة الاجتماعية لهؤلاء، والذي قد يدفع أحدهم إلى ممارسته ضد زوجته أو ابنته أو قد تنتهي حياته الاجتماعية بالانفصال لأنه عنيف بطبعه!
ونفهم من هنا أنّ هؤلاء المتطرفين مارسوا العنف البيولوجي فدخلوا السجن ثم قاموا بتأصيل هذا العنف وفق بحوث وصفوها بأنها شرعيّة، وهو ما يؤكد أنّ هذا العنف جنائي في المقام الأول؛ أي أنه يخضع للهوى لا للشرع، فالشرع جاء بعد ممارسة العنف وليس قبله.
هؤلاء فقط مارسوا العنف الجنائي بكل مكوناتهم وخلفياتهم العنيفة، ثم أعطوا له الغطاء الشرعي، مدعين أنّهم يتحركون وفق قيم دينية هي في الحقيقة بريئة من سلوكياتهم العنيفة.
فما فعلته الجماعة الإسلامية المسلحة التي ظهرت بمصر في العام 1974 قامت به حركة الإخوان المسلمين منذ ظهورها في العام 1928؛ بممارسة العنف عبر المراحل التاريخية المختلفة، وبعدها يبحث التنظيم عن مبرر شرعي أو غطاء لهذه الممارسة العنيفة.
وقد كان ذلك واضحًا في ممارسة الإخوان للعنف بعد العام 2013 حيث أنتجت الجماعة بحثًا أسمته “فقه المقاومة الشعبية”، بررت من خلاله استخدام العنف، مع ملاحظة أنّ هذا التبرير جاء بعد ممارسة العنف وليس قبله، وهذا يُؤكد أنّ كل ما تُصدره هذه التنظيمات من وجود بحوث شرعيّة تستند عليها في ممارسة العنف هو نوع من التطرف البيولوجي.
لذلك هناك قطاع عريض من المتطرفين يُمارسون العنف على خلفية بيولوجية أو جنائية ثم تتحول هذه الحالة إلى عقيدة فتكون بمثابة إرهاب أيديولوجي؛ فالمؤدلجون هم الأشخاص المعبؤون بالأفكار العنيفة التي لا تتغير أو تتبدل، والأزمة إذا صادفت هذه الأفكار ما يختلج بالهوى.
هناك تنظيمات دينية نشأت في بيئات اجتماعية كانت تُحرض على استخدام العنف؛ فظهرت فيه مجموعات إسلاموية تلونت بلون الطابع الاجتماعي للمجموعات البشرية الموجودة في هذه المنطقة؛ صحيح قامت هذه المجموعات بتقديم تبريرات “شرعّية” لممارسة العنف، لكن الحقيقة أنها مجرد تبريرات، فيما ممارسة العنف جاءت وفق غريزة عبرت عنها هذه المجموعات المسماة بالإسلامية.
ولذلك من المهم قراءة المجتمعات التي نشأت فيها تنظيمات العنف والتطرف، لأن ذلك يُساعد في تقديم القراءة الدقيقة لهذه التنظيمات، وبالتالي يُساعد في فهم هذه التنظيمات وفهم دوافعها، ويُساعد بطبيعة الحال في مواجهتها وتفكيكها، وهنا تبدو أهمية قراءة البيئة لفهم دوافع العنف وعما إذا كانت اجتماعية أو دينية أو خليطًا بينهما.
لذلك الكثير من التنظيمات الإسلاموية بعيدة عن البيئة العربية المتسامحة فهي نتاج أفكار مستوردة؛ قام أصحابها بإضفاء الشكل الشرعي عليها؛ فكثير من أدبيات بعض التنظيمات الإسلاموية تجمع ما بين الأخلاق غير العربية وغير المتسامحة بطبيعة الحال، وما بين بعض القيم الإسلامية التي فهمت خطأ، فيظهر الخليط غير المتجانس من التيارات الدينية المنحازة دائمًا للعنف.
التنظيمات الدينية ابنة بيئتها، لكن أفكارها ليس لها علاقة بالبيئة العربية المتسامحة، والدليل على ذلك أنّ الدين لا يدعو للعنف، ذلك الذي يتخذه هؤلاء ذريعة القتل أو التحريض عليه، وهنا يقود التطرف البيولوجي إلى الإرهاب الأيديولوجي.
وخلاصة القول: إنّ فهم صناعة الإرهاب قد يؤدي إلى نتيجة مؤداها القضاء على الإرهاب نفسه، لذلك لابد أنّ يكون الإنسان ُمدركًا أنّ الإرهاب صناعة وأنّ هذه الصناعة لا يمكن إبطال مفعولها إلا بفهمها فهمًا جيدًا للوقوف أمام الإرهاب الأيديولوجي، فعلى الباحثين مدعي للكتابة عن صناعة الإرهاب داخل التنظيمات المتطرفة الوصول إلى قراءة دقيقة عن هذه الصناعة السوداء.