التونسيون يعتبرون قرار حلّ “مجلس القضاء” خطوة ضرورية في مسار الإصلاحات
أثار قرار الرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد بحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ردود فعل إيجابية لدى الشارع التونسي، وفي أوساط النخبة السياسية التي اعتبرت القرار بمثابة خطوة ضرورية وأولى في مسار إصلاح القضاء.
وكان الرئيس سعيد قد أعلن الأحد، قراره حلّ المجلس الأعلى للقضاء معتبرا أنه يخدم أطرافا معينة بعيدا عن الصالح العام، كما ورد في تسجيل فيديو نشرته رئاسة الجمهورية.
وقال قيس سعيد خلال زيارة إلى مقر وزارة الداخلية “ليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي”، مشيرا إلى أن “هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات”.
وأضاف الرئيس سعيّد -الذي أعلن في الخامس والعشرين من يوليو الماضي تعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتوليه السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعينه هو- “سنعمل على وضع مرسوم مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء”، مؤكدا أن “أموالا وممتلكات تحصّل عليها عدد من القضاة المليارات المليارات (…) هؤلاء مكانهم المكان الذي يقف فيه المتهمون”.
والمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية “ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية”، حسب الدستور، ومن بين صلاحياته اقتراح الإصلاحات الضرورية في مجال القضاء.
خطوة إيجابية وأولى في مسار إصلاح القضاء
ويرى الأمين العام لحزب التيار الشعبي -أحد أبرز الأحزاب الداعمة للرئيس سعيد- زهير حمدي أن “حل رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء خطوة إيجابية وأولى في مسار إصلاح القضاء الذي تم منحه فرصة لإصلاح نفسه بنفسه لكنه فشل في ذلك. جاء تاريخ الخامس والعشرين من يوليو وأملنا أن يتحرر القضاء من الاختراقات التي قامت بها النهضة والمحاصصات الحزبية، لكن للأسف الشديد لم يتغير شيء بل العكس في تعاطيه مع ملفات كبرى كالفساد والإرهاب لم يلعب القضاء دوره، لم يكن أمامنا خيار آخر غير أن يتم الإصلاح من خارج القضاء ومن خارج مجلسه”.
وشدد حمدي، على أن “الخطوة التالية التي يجب أن تتم هي إحداث هيئة مستقلة ووقتية تتألف من أطراف مشهود لها بالنزاهة والكفاءة وتكون بمنأى عن المحاصصة الحزبية، وهذا إجراء ضروري. ما حصل إجراء ضروري ونحن نعتبر أن أهم خطوة حصلت بعد ليلة الخامس والعشرين من يوليو هي حل المجلس الأعلى للقضاء”.
الشعب يريد تطهير القضاء
ويأتي قرار قيس سعيّد بعد انتقادات شديدة وجهها إلى القضاء وإثر تواتر أصوات من قبل أنصاره تدعو إلى حل المجلس و”تطهير القضاء”.
ويتهم تونسيون حركة النهضة الإخونجية بالسيطرة على هذا القطاع خلال السنوات العشر الماضية، لكن ذلك الاتهام كان يوجه إلى الحركة بحذر قبل إجراءات الخامس والعشرين من يوليو.
وخرج المئات في مظاهرة للاحتجاج على المجلس أمام مقره الأحد. ورفع المحتجون أمام مقر مجلس القضاء لافتات من أبرز الشعارات التي كُتبت عليها “انتهت اللعبة” و”الشعب يريد تطهير القضاء”.
وقال رئيس مجلس القضاء الأحد إن قرار الرئيس الذي يقضي بحل المجلس محاولة لوضع القضاء “في مربع التعليمات” الرئاسية. وأضاف أن قرار الرئيس غير قانوني. وقال “المجلس ليس من الماضي هو من الحاضر والمستقبل.. القضاة لن يسكتوا.. هذا تدخل مباشر ومحاولة لوضع القضاة في مربع التعليمات”.
ويقول مراقبون إن تحدي القضاة للرئيس قيس سعيد يمعن في ضرب هيبة هذا القطاع، لافتين إلى أنه من الصعب أن يستعيد القضاء هذه الهيبة حتى لو غادر الرئيس منصبه. وبحسب هؤلاء فإن الرئيس ماض في اتخاذ إجراءات أشد خلال الفترة المقبلة وأن اختياره الحديث عن الموضوع من داخل وزارة الداخلية يحمل رسالة مفادها أنه جادّ في تحذيره من تحويل القضاة إلى متهمين.
القضاة منحازون إلى طرف سياسي
واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “اصطفاف بعض القضاة مع طرف سياسي معين وأذرعه القضائية أدى إلى المزيد من تأزم القضاء، وهو ما أوصل اليوم إلى حل المجلس برمته، هؤلاء منحازون إلى طرف سياسي بعينه انحيازا يعد هو جوهر المشكلة”.
وتابع ترجمان، “لو قام القضاء بدوره بكل نزاهة وشفافية لما وجدنا من يخرج ويتحدث عن فساد هذا القضاء أو يطالب بحل المجلس، قرار الرئيس سعيد يأتي كنتيجة طبيعية لما قام به القضاء طيلة 10 سنوات، أيُعقل أن تبقى قضايا اغتيالات سياسية لسنوات دون كشف للحقيقة؟ لا يُعرف من ارتكب الجرائم ولا نعرف الأحكام ضده. المجلس منح الرئيس سعيد كل الذرائع لحلّه”.
ملف الاغتيالات
وخرج أنصار حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وممثلون عن منظمات وأحزاب أخرى في مسيرة وسط العاصمة التونسية الأحد لإحياء الذكرى التاسعة لاغتيال السياسي شكري بلعيد.
وعلى الرغم من مرور تسعة أعوام على الاغتيال لا يزال القضاء يحقق بشأن الجهات المتورطة في الجريمة. وتتهم هيئة الدفاع عن بلعيد والسياسي محمد البراهمي -أمين عام حزب التيار الشعبي الذي اغتيل في العام نفسه- القضاء بالتستر على ملفات ترتبط بالاغتيالات السياسية.
وقال عبد المجيد بلعيد شقيق شكري بلعيد لإذاعة موزاييك المحلية “انقضت تسع سنوات من الانتظار والتلاعب ومحاولة الأطراف الواقفة وراء الاغتيال تقديم أكباش فداء، ونحن كنا دائما من بين المطالبين بحل المجلس الأعلى للقضاء لأن الكثير من القضاة في المجلس كانوا دائما يعملون على تعطيل الكشف عن الحقيقة”.
وأضاف “بعد حل المجلس سيتم التخلص من القضاة المرتبطين بحركة النهضة الإخونجية كما سيتخلص القضاة الشرفاء من الخوف، وقريبا جدا سيتم الكشف عن الحقيقة”.