الرئيس الأفغاني يحذر من اندلاع حرب أهلية في بلاده
ويكشف أنه على بعد رصاصة واحدة من الموت
قال الرئيس الأفغاني أشرف غني، إنه “على بعد رصاصة واحدة من الموت”، لافتاً إلى تعرضه للعديد من محاولات الاغتيال، لكنه أكد في الوقت نفسه أن “لا قوة في العالم تستطيع إقناعه بركوب طائرة ومغادرة البلاد”، محذراً من اندلاع حرب أهلية في بلاده، وذلك في ضوء تقدم حركة طالبان الإرهابية باتجاه العاصمة كابول بالتزامن مع الانسحاب الأميركي المتسارع.
وأدلى الرئيس الأفغاني أدلى بهذه التصريحات خلال مقابلة مع مجلة “دير شبيغل”، الألمانية، في القصر الرئاسي صباح الثلاثاء الماضي، بعد أيام قليلة من وقوع هجوم على مدرسة في كابول، أسفر عن مصرع 85 شخصاً على الأقل معظمهم طالبات.
لا أضيع وقتي على الندم
وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كان يعتبر أنه تعرض لـ”الخيانة” جراء اتفاق السلام الذي أبرمته الولايات المتحدة مع حركة طالبان دون إشراك حكومته في وقت بدأت القوات الأميركية بالانسحاب، قال غني “أين الخيانة؟ إدارة بايدن اتخذت قراراً استراتيجياً. لقد قيموا وحددوا اهتماماتهم، وأنا احترم ذلك. أي تعبير عن الغضب، أو الاستياء، أو الاحباط لن يكون مجدياً. أنا شخصياً لم أعارض أبداً الانسحاب الأميركي، ولا أضيع وقتي على الندم. السؤال الآن هو أين تكمن مصالحنا المشتركة في المستقبل؟ وكيف سنعيد تشكيل شراكاتنا مع الولايات المتحدة؟”.
وأشار الرئيس الأفغاني إلى أن حكومته، حتى في ظل غياب الدعم الأميركي، قادرة على مقاومة هجمات حركة طالبان “إلى الأبد”، وفق تعبيره، مضيفاً “إذا فعلت طالبان شيئاً، فإن قواتنا جاهزة للتعامل مع الوضع. لقد قاومنا بالفعل الموجة الأولى من الهجمات في مايو على نحو فعال. ولكن هل تكتبون في مجلتكم (دير شبيغل) ذلك أيضاً؟”.
واعتبر غني أن القضية الأساسية كانت تتمثل في الغموض الذي استمر لعامين حول بقاء الأميركيين أو مغادرتهم، لكنه بحسب رأيه “الأمر بات واضحاً الآن، ما يُفتح فصلاً جديداً في الواقع ويفترض تطبيق قواعد جديدة للعبة”.
تشكيل مجلس دولة
وحول احتمالية اندلاع اقتتال أهلي في البلاد على غرار ذلك الذي اندلع في التسعينات إبان انسحاب القوات السوفياتية، قال الرئيس الأفغاني إن “احتمالية نشوب حرب أهلية قائم، لكن ليس ضرورياً أن يصل الأمر إلى ذلك”.
وتابع غني “عندما انتهت المهمة القتالية (لقوات الناتو) رسمياً عام 2014 وتغييرها إلى مهمة تدريبية، رجّح الجميع اقتراب الجمهورية القادمة من الزوال، لكننا منعنا حدوث ذلك، وفي العموم كلما انتشر الحديث عن سيناريو زعزعة الاستقرار واجهنا المزيد من العنف”.
وفي تعليقه على مساعي النخبة السياسية في أفغانستان لتشكيل مجلس دولة يضم كل الأحزاب، وقدرة ذلك المجلس على النجاح في تنظيم عملية السلام ومقاومة طالبان، أوضح غني أنه يضغط بكل ما لديه من قوة لتشكيل المجلس، مشيراً إلى أنه في طور التبلور حالياً.
وأضاف “عملية السلام هي السيناريو الأساسي. وبمجرد أن تدرك طالبان أنها غير قادرة على الإطاحة بالحكومة، ستحتاج إلى التوصل إلى السلام باعتباره السيناريو المهيمن”.
باكستان تدعم طالبان
وفي إجابته على سؤال حول ما إذا كان لا يزال يؤمن بالسلام، قال الرئيس الأفغاني “السلام سيُقرر على الصعيد الإقليمي في المقام الأول، وأعتقد أننا في لحظة حاسمة من إعادة التفكير. الأمر يتعلق أولاً وقبل كل شيء بضم باكستان إلى عملية السلام. الولايات المتحدة تلعب الآن دوراً ثانوياً فقط. مسألة السلام أو العداء هي الآن بيد الباكستانيين”.
وحول تأثير الحكومة الباكستانية على حركة طالبان الإرهابية، أشار غني إلى أن باكستان تُدير على أراضيها نظام دعم منظم للحركة، حيث تتلقى طالبان الخدمات اللوجستية وتقوم بتجنيد عناصرها، إضافة إلى أن أموالها موجودة هناك، بحسب قوله. وأضاف “يمكن أيضاً ملاحظة أن أسماء أجهزة صنع القرار في الحركة هي (شورى كويتا)، و(شورى ميرامشاه)، و(شورى بيشاور)، وجميعها أسماء المدن الباكستانية التي تتركز بها. هناك علاقة قوية مع إسلام أباد”.
ورأى غني أن على الولايات المتحدة تفسير عدم تدخلها سابقاً لإضعاف نفوذ حركة طالبان في باكستان، وتابع “أستطيع القول من واقع التجربة، إن طالبان اعتمدت اعتماداً شديداً على الحصول على الإمدادات والخدمات اللوجستية عبر باكستان”.
وأشار الرئيس الأفغاني إلى أن قائد الجيش الباكستاني قمر باجوا، أكد بشكل واضح خلال زيارته الأخيرة إلى كابول، أن “عودة إمارة أو ديكتاتورية طالبان ليست في مصلحة أحد في المنطقة، وخاصة باكستان”. لكن باجوا اعترف أن “بعض المستويات الأدنى في الجيش الباكستاني لديها رأي مخالف في بعض الحالات”.
واعتبر غني في حديثه لمجلة “دير شبيغل” أن الأمر يتعلق بالإرادة السياسية في المقام الأول، مؤكداً أن التوصل لاتفاق أمني مستقبلي بين أفغانستان وباكستان يشكل “مفتاح السلام”، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن هدفه هو جعل بلاده محايدة، بحيث لا تكون جزءًا من منافسات إقليمية أو دولية.
دبلوماسية أوروبية مرنة مع طالبان
وتوجهت المجلة الألمانية بسؤال إلى الرئيس الأفغاني حول الشكل الذي سيبدو عليه المجتمع الطائفي إذا تعين مشاركة الحكم مع طالبان في المستقبل، وفي ما إذا كان سيضطر الرجال مجدداً في تلك الحالة إلى إطلاق اللحى الطويلة، وعدم السماح للنساء بمغادرة المنازل. وأكد غني أن حكومته لن تسمح لطالبان بالقيام بذلك. قائلاً “لن تهزم الحركة شباب أفغانستان”.
وأشار الرئيس الأفغاني إلى أنه يجب إيقاف الأخبار التي تتحدث عن استيلاء حركة طالبان على الحكم بالقوة ومخاطر تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى أوروبا، مضيفاً “كلما تحدثت وسائل الإعلام عن هذه السيناريوهات الكئيبة والمتشائمة، زاد تشجيع الناس على المغادرة. بدلاً من ذلك، يُرجى الحديث عن الفرص المتاحة هنا، حتى في أصعب الأوقات، بما في ذلك الحرب”.
وشدد غني على أن الدبلوماسية الأوروبية يجب أن تتوقف عن التعامل المرن مع حركة طالبان، وتابع “طالبان مجرمون، إنهم يقتلون الأبرياء، كما فعلوا قبل أيام قليلة في هجوم على مدرسة بنات في كابول أودى بحياة 85 شخصاً”.
محاولات اغتيال عديدة
وختمت المجلة الألمانية مقابلتها مع الرئيس الأفغاني بالتساؤل حول ثقته بمستقبل بلاده، ومدى احتمالية اضطراره إلى الفرار إذا ما فشلت كافة الحلول، كما حدث مع الأميركيين في فيتنام.
وقال غني “أعلن أنني على بعد رصاصة واحدة من الموت. كانت هناك محاولات عديدة لاغتيالي. لكن أفغانستان ليست جنوب فيتنام، وأنا لم أصل هنا عن طريق انقلاب، لقد انتُخبت من قبل الشعب. لم أحصل أبداً على دبابة أميركية لحراستي”.
وتابع مختتماً حديثه “قبل أن أصبح رئيساً، عشت في الخارج لمدة 28 عاماً، وكان لدي مسيرة مهنية ناجحة، لكني لم أكن سعيداً. لا توجد قوة في العالم تستطيع إقناعي بركوب طائرة ومغادرة البلاد. إنه بلد أحبه، وسأموت وأنا أدافع عنه”.