الصين واتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران
دانا العنزي
اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران أثار حالة من الصخب الشديد جداً إعلامياً ورسمياً. حيث أعقب التوقيع على الاتفاق سيل هائل من التصريحات الرسمية، والتحليلات الصحافية والتغطيات الإعلامية.
وهذا الأمر قد يكون مفهوماً، حيث يعد الاتفاق حدثاً مفصلياً على مستوى الشرق الأوسط عامة، وعلى مستوى حالة الصراع الطويل المتشابكة العصية بين طهران والرياض.
وبطبيعة الحال، تناولت تلك التحليلات والتغطيات الاتفاق من جوانب وزوايا شتى، وتباينت بشدة إزاء كل زاوية، لا سيما من ناحية جدية طرفي الاتفاق على تنفيذ بنوده وإحداث طفرة حقيقية نحو علاقات تعاونية بناءة بين الطرفين.
ومن المبكر جداً الحكم على نجاح الاتفاق نظراً لتأثير الاتفاق على الشراكة الإستراتيجية بين واشنطن والرياض.
ومع ذلك، قد كشف لنا الاتفاق عن معطيات وحقائق جديدة، أغلبها متعلق بالصين، واضحة للعيان لا جدال فيها، وستمثل في الوقت عينه بداية لتحول كبير في المنطقة برمتها.
أُبرم الاتفاق بوساطة ورعاية صينية بعد مفاوضات على مدار أشهر بعضها سرى في العاصمة بكين. ودلالات ذلك، بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق ونجاحه من عدمه، كثيرة وواضحة.
توازن العلاقات بين الرياض وطهران
أول وربما أهم هذه الدلالات، هي نجاح الصين ديبلوماسياً في اختراق ملف يعد من أصعب قضايا المنطقة. إذ لا يخفى على أحد أن قضايا المنطقة الساخنة التي انفجرت منذ موجات الربيع العربي، كانت ساحة لتنافس حاد بين طهران والرياض.
علاوة على ذلك، مثلت دوماً قضية توازن العلاقات بين الرياض وطهران معضلة كبيرة جداً لبكين، إذ ان الطرفين حليفان استراتيجيان لبكين.
وعليه، يعكس ذلك النجاح الثقة والمصداقية العالية التي تتنامى لدى الطرفين بشكل لافت في الصين.
وهذا يدفعنا إلى حقيقة أخرى، وهي نجاح الصين في أن تكون الشريك الرئيسي الموثوق في المنطقة، في ظل حالة من الفراغ في المنطقة.
فنجاح الصين في دفع الطرفين لإبرام الاتفاق، يعني تحولاً كبيراً في دور الصين الاقتصادي الذي تمركزت فيه لعقود إلى دور سياسي أوسع، يعكس مزيداً من الثقة والنفوذ في المنطقة.
ويرتبط بذلك، هو نجاح الصين في جعل الاقتصاد وليس الأمن والتوازنات الجيوسياسية، هو المظلة الرئيسية الدافعة لأطر جديدة ناظمة للعلاقات في المنطقة.
إذ ان الشراكة الاقتصادية الواسعة التي تربط الطرفين مع بكين والمحافظة عليها، تعد بلا أدنى شك أهم الدوافع الرئيسة للطرفين لإبرام الاتفاق.
أفق دور صيني أوسع
وأخيراً، يرسم هذا الاتفاق ملامح لأفق دور صيني أوسع وأنجح لحلحلة أزمات المنطقة المعقدة، حيث إن لدى الصين مصلحة قوية في شرق أوسط أكثر استقراراً وازدهاراً. فضلاً عن ذلك، تتمتع بالقدرة والثقة والمصداقية لعمل ذلك.
وخلاصة القول، علينا أن ننظر إلى الاتفاق بعيون إيجابية، تتلخص بعضها في: وجود قوى كبيرة في المنطقة وهي الصين، بدأت تأخذ زمام المبادرة لوضع حد لحالة عدم الاستقرار في المنطقة في ظل غياب تام للإدارة الأميركية.
يعد الاتفاق بلا أدنى شك بداية ناجحة في حلحلة الخلاف السعودي -الإيراني المعقد، ومن المؤكد سيؤدي إلى حالة من الاستقرار النسبي في المنطقة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وأخيراً، يعكس الاتفاق تحولاً في سياسات دول المنطقة نحو المقاربات المنطقية والواقعية وأولوية الاستقرار الاقتصادي على الأمني في ضوء حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.