العرب وأوكرانيا
أحمد مصطفى
ربما يتعجب البعض من موقفنا الذي يبدو “حياديا” إلى حد كبير من الصراع في أوروبا الشرقية الذي تطور إلى توغل عسكري روسي في أوكرانيا.
لكن هذا العجب لا محل له إذا كان أهم ما قاله الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن، ليلة الأربعاء الخميس، بينما القوات الروسية في أوكرانيا والمدفعية والطائرات تقصف المواقع الأوكرانية هو “إن دعوات وصلوات العالم مع أوكرانيا”!
صحيح أن هناك عقوبات اقتصادية فرضت على روسيا من قبل الدول الغربية وحلفائها، لكن تلك العقوبات التي تفرض على موسكو منذ عام 2008 حين اجتزأت إقليمي أبخازيا وأوسيتيا من جورجيا لم تمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من ضم شبه جزيرة القرم واجتزائها من أوكرانيا في عام 2014. كل ذلك يحدث دائما في ظل إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض، غالبا ما تفرض عقوبات اقتصادية كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما قبل ثماني سنوات.
وإذا كان رد فعل القوة العظمى الوحيدة في العالم هو قدر كبير منه “صلوات ودعوات” فإننا في العالم العربي لا نكف عن الصلاة والدعاء في السراء والضراء وفي السر والعلن. لكن اتخاذ مواقف سياسية صارمة تظهر توجهنا مع هذا المعسكر أو ذاك ليس بالتصرف المنطقي. فحسنا نفعل بحيادنا المكتوم بانتظار ما ستؤول إليه تطورات الأمور.
يبقى المهم هنا أن نتصرف ببراغماتية، ليس على الطريقة الصينية، وإنما بما تؤدي إليه من نتائج في حسابات المكسب والخسارة على المدى المتوسط والطويل. فليس من مصلحة أحد في العالم العربي أن يتخذ موقفا آنيا يكلفه فيما بعد، أو على الأقل ينتقص من مكاسبه التي يمكن أن يحققها. نعم، قد يبدو ذلك توجها “نفعيا” تماما لكن من قال إن السياسة الدولية ليست كذلك؟! خاصة بعدما انهارت كل حجج “التعالي الأخلاقي” ومستغلي قيم إنسانية أصيلة لأغراض نفعية بشكل فج – سواء من الغرب أو الشرق وما ابتلي بذلك أحد أكثر منا نحن العرب.
ثم أننا ما نسينا بعد أن ما فتح باب “التدخل الاستباقي لحمية الأمن القومي” كان من منطقتنا حين أقدم العراق على غزو جارته الكويت بداية العقد الأخير من القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين أخذ شكل المنطقة في التغير الجذري الذي لم يستقر بعد حتى الآن.
كان ذلك الحدث الجلل مسوغا للغرب، باعتباره قيادة عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة، لترسيخ مبدأ التدخل العسكري الاستباقي في الدول ذات السيادة. ومن غير المنطقي أن تشرع ذلك لنفسك وتمنع الآخرين من اتباعه – بغض النظر عن موقفنا من شرعية ذلك أم لا. وللحقيقة تباينت المواقف العربية من هذا المبدأ الدولي المفتعل، حسب مصالح كل دولة في مرحلة ما. لكن في النهاية ليس لنا إلا أن نزن مواقفنا حسب مصالحنا القطرية والاقليمية دون أي تورط في مواقف “تحالفية” قد تكلفنا أو على الأقل تحد من مكاسبنا.
أولا، الولايات المتحدة تفك ارتباطها مع العالم منذ ما قبل حكم أوباما مباشرة ورغم ما بدا من اهتمام إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بالمنطقة فلم يكن ذلك سوى في إطار “تقاطع” مصالح آنية. لكن في المحصلة، وحين جاء بايدن وشرع في بناء ما سماه “تحالف ديموقراطي مع الشركاء” لم يكن العرب في البال.
هدف الاستراتيجية الأميركية/الغربية هو مواجهة صعود الصين وروسيا، لذا ترغب واشنطن في تعزيز علاقتها بأوروبا الغربية ودول كاليابان وأستراليا. صحيح أن من مصلحة منطقتنا ألا تقف في ناحية معادية لأميركا والغرب، لكن ذلك أيضا لا يعني ألا تبحث عن مصالحها في مراكز عالمية صاعدة أخرى حتى لو كانت الصين وروسيا.
ليس القصد هنا التفكير في التبعات المباشرة والعاجلة لحرب أوكرانيا، فذلك تفكير قصير الأجل جدا. إنما القصد أن نستفيد من ذلك في تطوير طريقة تفكير استراتيجي على المدى البعيد. نعم، أسعار الطاقة ترتفع وتفيد الدول المصدرة في المنطقة لكن التجربة تقول إن الحفاظ على توازن الأسواق مهم لنا كما للآخرين على المدى الطويل. تعتمد بعض دول المنطقة على أوكرانيا وروسيا في استيراد الحبوب، لكن البدائل متاحة. حتى السياحة الأوكرانية لن تتوقف لبعض الجهات في المنطقة كشرم الشيخ، سواء قدموا بجوازات سفر أوكرانية أو روسية!
كل تلك الأمور لا تستحق أن تبنى عليها مواقف استراتيجية، إنما الأهم والأخطر هو أن نفكر كدول المنطقة وكإقليم بشكل عام فيما نفعله لحماية مصالحنا بالتعامل مع المستفيد الأكبر في تصوري من حرب أوكرانيا: الصين. صحيح أن لدى كثير من دول المنطقة علاقات جيدة مع بكين، لكن البراغماتية الصينية قد تجعل تلك العلاقات بحاجة إلى إعادة توزن من جانبنا في الفترة المقبلة.