العقوبات الصينية على تايوان تثير مخاوف أوروبية بشأن استيراد الرقائق
اعتبرت مجلة “بوليتيكو” أن العقوبات الصينية على تايوان، التي جاءت رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة، بمثابة “تذكير سافر للاتحاد الأوروبي” بحجم اعتماده على تايبيه، خصوصاً في استيراد الرقائق.
فقد عادت أزمة الرقائق الإلكترونية إلى الواجهة مجدداً مع فرض الصين عقوبات مشددة على تايوان، أحد أكبر المصنعين، وهو ما أثار قلقاً أوروبياً كبيراً نظراً لاعتمادها على منتجات الجزيرة.
وأضافت المجلة أن تدريبات الجيش الصيني حول الجزيرة بحراً وجواً، والتي تعد الأكبر على الإطلاق، أجبرت الملاحة الجوية والبحرية على تجنب هذه المنطقة، وهو ما مثّل “حصاراً خانقاً لتايوان”، والتي تزعم بكين أنها جزء من الصين.
وكانت الصين فرضت حظراً على تصدير الرمال إلى تايوان، المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، إلى جانب حظر استيراد الفواكه الحمضية، وسمك الماكريل المجمد من الجزيرة.
وقالت “بوليتيكو” إن الاتحاد الأوروبي والشركات الغربية التي تعتمد على الرقائق المُصنعة في تايوان، تخشى إجراءً صينياً أكثر صرامة، كفرض حصار كامل على تايوان، أو غزوها عسكرياً.
الرقائق التايوانية
في العام الماضي، شكلت الآلات والأجهزة نحو 60% من واردات الاتحاد الأوروبي من تايوان.
ويكمن القلق الأكبر لدى الشركات الأوروبية -بحسب “بوليتيكو”- في “الانقطاع المفاجئ لإمدادات الرقائق” التي تنتجها أكبر شركة أشباه موصلات في العالم، وهي شركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” (TSMC)، التي تستحوذ على أكثر من نصف سوق الرقائق القادمة من الخارج في أوروبا، ويُشاع أن لديها عملاء كباراً مثل “أبل” الأميركية، و”كوالكوم” المصنعة لمعالجات الهواتف الذكية.
وفي إشارة إلى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، التقت بيلوسي رئيس مجلس إدارة الشركة، مارك ليو، خلال زيارتها.
وبحسب المجلة، فإن مشكلة أوروبا تكمن في أنها “زادت من اعتمادها على الرقائق التايوانية على مدى سنوات عديدة، ومن ثم فإن أي هجوم عسكري تشنه الصين على تايوان يمكن أن يدمر على الفور خط إمداد حيوي، دون سابق إنذار”.
الطبيعة المتفردة للرقائق
تفتقر الكتلة إلى خبرة الشركة التايوانية، إذ تأسست شركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” في ثمانينيات القرن الماضي على يد موريس تشانج، وهو مهندس سابق في شركة Texas Instruments الأميركية.
ويمثل تشانج “نموذجاً جلياً لكيفية تسرب الخبرات التي تتشكل مع العمليات المتخصصة من بين أصابع الشركات الغربية”، وفقاً لـ”بوليتيكو”.
لودو ديفيرم، نائب الرئيس التنفيذي في مركز أبحاث “إميك” لأشباه الموصلات في بلجيكا، قال لـ”بوليتيكو”، تايوان تتمتع بثقافة “التوظيف المرن”، أي أن الشركات المنتجة للرقائق يمكنها “تعيين وتسريح منسوبيها بسهولة أكبر” لملاءمة فترات ارتفاع وانخفاض الطلب.
وتكمن المشكلة في “الطبيعة المتفردة” للرقائق الإلكترونية التي يمكن أن توفرها الشركة التايوانية، إذ لا يقتصر اهتمام الشركة على الإلكترونيات الموجودة حالياً في جميع الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وإنما يمتد فعلياً إلى تصنيع رقائق أكثر تطوراً، مثل الرقائق التي يبلغ حجمها 5 نانومترات، أو أصغر، والتي ستمثل المكون الأساس في صناعة المركبات ذاتية القيادة.
مخاوف من تعطل الانتاج
هيرمان هاوزر، مؤسس شركة Acorn Computers، قال لـ”بوليتيكو”، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً: في الواقع، يوجد مصنعان فقط في العالم يمكنهما إنتاج رقاقات أقل من 5 نانومترات، وهما شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، وسامسونج.. والأولى هي المهيمنة بالكامل على هذه الصناعة، ونعتمد عليها تماما”.
ولا يخفى على بكين الدور المحوري لشركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات”، إذ سبق ودعا أحد كبار الاقتصاديين الصينيين، في يونيو الماضي، صراحة إلى “استيلاء الصين على هذه الشركة”.
وعلى الرغم من ذلك التهديد، فإن المراقبين الغربيين يشككون في إمكانية تنفيذه على الأرض، معللين ذلك بأنه “ببساطة، ليس من مصلحة الصين”، كما أن الشركة التايوانية تعتمد على شركات أخرى لتزويدها بالمعدات، مثل شركة ASML الهولندية.
وحذر رئيس شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات ليو في مقابلة مع “سي إن إن” الأميركية من أن شركته “لن تكون قادرة على العمل، إذا غزت الصين تايوان”.
وأشار هاوزر إلى أن “هذا يمنح الاتحاد الأوروبي القوة، إذ يمتلك ورقة مساومة، فلا أحد في العالم يمكنه إنتاج رقائق أقل من 5 نانومترات من دون الأدوات التي تنتجها ASML الهولندية”.
استثمارات جديدة
وقالت “بوليتيكو”، إن التفكير في سيناريو “المنع الكامل لمنتجات تايوان” سيحفز بلا شك المشرعين والشركات الأوربية لتسريع وتيرة خططهم لاستعادة بعض عمليات تصنيع الرقائق الإلكترونية، ومضاعفة حصة السوق الأوروبية في سلسلة القيمة العالمية لأشباه الموصلات.
وأضافت المجلة أنه في فبراير الماضي، كرست المفوضية الأوروبية خططها لتصنيع الرقائق، والتي بلغت قيمتها 43 مليار يورو، لجذب بعض الشركات المنتجة إلى التزامات التصنيع في أوروبا، لكن هذه المهمة “ليست سهلة”، لأن عليها “التأكد من أن قوانين دول الاتحاد لمنح المساعدات ستدعم هذه الصناعة طوال الوقت”.
ولكن وتيرة التقدم على هذا المضمار “بطيئة للغاية، حيث يكافح الاتحاد الأوربي لحمل الشركات على تحويل إنتاجها إلى الكتلة”، بحسب بوليتيكو.
واستحوذت أوروبا على استثمارات جديدة في الأشهر الأخيرة من قبل شركات مثل Intel في ألمانيا، وSTMicroelectronics وGlobalFoundries في فرنسا، ولا تزال شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات غير ملتزمة بإنشاء مصنع لها في أوروبا، فيما اختارت إقامة مصنع في اليابان وأريزونا، بالولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، قال هاوزر إن هذا التحول يمثل “بقعة عمياء هائلة. لسوء الحظ، في الوقت الحالي يبدو أننا نحاول إنجاز هذا التحول مع Intel، ولكنها لا تمتلك هذه التكنولوجيا”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى إنجاز هذه المهمة مع شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وسامسونج.. وأنا لا أتفهم سبب عدم إجراء مناقشات مع الشركتين”.