المستشار الألماني يعلن أن بلاده ستمتلك أكبر جيش تقليدي أوروبي
روسيا تتهم برلين باستخدام لغة تستحضر ماضيها النازي
بينما تحاول أوروبا الفكاك من عقدة الحرب العالمية الثانية، والابتعاد عن نزعات العسكرة، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز الثلاثاء، أنّ بلاده ستمتلك أكبر جيش تقليدي أوروبي في حلف شمال الأطلسي، بفضل الأموال الضخمة التي قرّرت برلين استثمارها لتعزيز قدراتها العسكرية منذ بدأت القوات الروسية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
وفي مقابلة أجرتها معه شبكة “إيه أر دي” التلفزيونية العامة عقب انتهاء قمة مجموعة السبع التي عقدت في ألمانيا، قال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إنّ “ألمانيا هي اليوم، إلى جانب الولايات المتّحدة، بالتأكيد أكبر مساهم” في حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أنّه “يجري حالياً بناء أكبر جيش تقليدي في أوروبا في إطار حلف شمال الأطلسي، وهذا أمر مهمّ للقدرات الدفاعية لحلف الأطلسي بأسره”.
وبعيد انطلاق العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أعلنت الحكومة الألمانية إنشاء صندوق استثنائي بقيمة 100 مليار يورو لتحديث جيشها.
وأضاف شولتز “سننفق في المتوسط ما بين 70 و80 مليار يورو سنوياً على الدفاع”، مشدّداً على أنّ هذه الاستثمارات الضخمة ستجعل من ألمانيا “الدولة الأكثر استثماراً” في هذا المجال.
ولفت المستشار الألماني إلى أنّ بلاده التي تمتلك أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية تهدف من وراء هذه الاستثمارات إلى ضمان الدفاع عن أراضيها والوفاء بالتزاماتها تجاه حلف الأطلسي.
والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ملزمة بتخصيص 2% على الأقلّ من إجمالي ناتجها المحلّي لموازنتها الدفاعية، لكنّ هذا الهدف نادراً ما التزم به العديد من الأعضاء.
ومنذ انتهت الحرب الباردة قلّصت ألمانيا بقوة حجم جيشها، إذ انخفض عديده من قرابة نصف مليون عسكري عندما أعيد توحيد البلاد في 1990، إلى 200 ألف عسكري فقط اليوم.
ألمانيا تستحضر ماضيها النازي
وفي الثالث من يونيو الجاري، صوّت البرلمان الألماني، لصالح تعديل دستوري يتيح إنشاء صندوق بـ100 مليار يورو (107 مليارات دولار)، لزيادة ميزانية القوات المسلّحة في مواجهة توسّع روسيا، بعدما صادق 567 عضواً في الغرفة السفلى للبرلمان لصالح التعديل مع مقابل معارضة 96 عضواً وامتناع 20 عن التصويت.
وانتقدت روسيا، الجمعة، الخطوة متّهمة ألمانيا بـ”إعادة التسلح” وباستخدام لغة تستحضر ماضيها النازي، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسي ماريا زاخاروفا: “نعتبر هذا الأمر دليلاً إضافياً على أن برلين ماضية في طريقها نحو إعادة تسليح جديدة”، مضيفة: “نعلم جيداً إلامَ يمكن أن ينتهي ذلك”.
وبدت تصريحات زاخاروفا أشبه بإشارة إلى برنامج إعادة تسليح ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي في عهد أدولف هتلر الذي أغرق العالم في الحرب، بحسب “فرانس برس”.
رهبة تسيطر على أوروبا
ويقول الخبير في العلاقات الدولية، جمال عبد الحميد، إن تخصيص 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني بمثابة تغيّر كبير في توجه ألمانيا التي كانت ملتزمة طوال الوقت بالإبقاء على قوتها “سلمية واقتصادية”.
وأضاف عبد الحميد، أن الألمان كانوا ينتظرون هذه اللحظة التاريخية كي يحولوا جيشهم إلى قوة عسكرية عالمية من جديد، ويحولوا بلادهم إلى دولة كبرى فاعلة، مشيرا إلى أن هذا التحول مضمون نقاش داخلي امتد لسنوات، إلا أن الهجوم الروسي على أوكرانيا كان بمثابة فرصة للألمان لإعادة تحديث جيشهم مرة أخرى.
ويردف: “القرار الألماني والهجوم الروسي بالطبع يثيران المخاوف في أوروبا وبخاصة الدول الصغيرة التي لا تمتلك قوة عسكرية أو جيوشا قوية تستطيع مواجهة أي اجتياح روسي محتمل أو أي توتر عسكري مع ألمانيا في المستقبل”.
ويتابع عبد الحميد: “هذه الرهبة التي تسيطر على أوروبا سواء من الهجوم الروسي أو تحديث الجيش الألماني جعلت دولا مثل فنلندا والسويد وبولندا تقدم طلبات للانضمام إلى حلف الناتو لتكون تحت مظلة حماية عسكرية تحميها خلال أي حوادث كبرى”.
لكنه استدرك أن “إنشاء جيش ألماني عظيم لن يتم على المدى المنظور، ولا يتم بين عشية وضحاها، إذ ثمة تحضيرات وميزانيات وتشريعات لا بد من سنها وتخصيصها لمثل هذه المهمة الشاقة والمحفوفة بالمحاذير والمجازفات داخليا وخارجيا، وربما تكون الحرب الأوكرانية وضعت أوزارها ومن ثم تعيد ألمانيا النظر بالقرار”.
وفي 8 مايو عام 1945، دخل الاستسلام الألماني غير المشروط حيز التنفيذ خلال الحرب العالمية الثانية، حيث صمتت البنادق الألمانية منذ تلك اللحظة، واستسلمت كل الرتب الألمانية لقوات التحالف والجيش السوفييتي.
وعقب ذلك وطوال 10 سنوات، عانت ألمانيا منذ ذلك الحين شروط الحلفاء المجحفة، قبل أن يسمحوا بتأسيس جيش ألمانيا الحديث في 5 مايو من عام 1955.