النظام التركي بانتظار عقوبات دولية جديدة
ملفات حقوف الانسان والتدخل في ليبيا وانتهاكات شرق المتوسط تزيد من حدة التوتر بين أنقرة والغرب
على مدار السنوات الماضية، تشهد العلاقات بين النظام التركي والغرب حالة توتر وليدة تراكم من خيبات الأمل الأوروبية، حيث فاقت حالات الجزر بطبيعة الحال الهدوء بين الجانبين.
توتر العلاقات جعل أنقرة على شفا العقوبات بعد أن كانت يوما ما تشق طريقها لأن تصبح عضوا في اتحاد القارة العجوز.
وجاء اعتقال المعارض التركي، عثمان كافالا، ليحدث حلقة في سلسلة الأزمات المتصاعدة بين الجانبين، أبرز هذه الأزمات ملفات حقوف الانسان والتدخل في ليبيا وانتهاكات شرق المتوسط، وسط تلويح بعقوبات مرتقبة.
بيان مشترك لعشر سفارات
وقد طلبت 10 سفارات في أنقرة يوم الأربعاء، السلطات التركية بالإفراج الفوري عن عثمان كافالا المعتقل منذ 2017 تماشيًا مع قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن سفارات كل من ألمانيا والولايات المتحدة والدنمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا.
وقال السفراء العشرة، في بيانهم، إن “استمرار تأجيل محاكمة كافالا بضم ملفات مختلفة وخلق قضايا جديدة بعد الحكم بالبراءة، يلقي بظلاله على احترام الديمقراطية وسيادة القانون ومبادئ الشفافية في النظام القضائي التركي، علما بأن 4 سنوات مرت على اعتقاله”.
واعتقل كافالا للمرة الأولى في أكتوبر 2017 على خلفية احتجاجات اجتاحت مختلف أنحاء البلاد وانطلقت من متنزه جيزي بإسطنبول عام 2013.
وبرأته المحكمة من تلك القضية العام الماضي، لكن السلطات أعادت اعتقاله على الفور بموجب اتهامات متعلقة بالانقلاب الذي شهدته البلاد عام 2016، وحينها اتهمت المعارضة النظام بأنه يعمد إلى اتهامات كيدية وانتقامية في تصفية سياسية وتعذيب نفسي للخصوم.
وفي 22 يناير الماضي، كانت محكمة الاستئناف بمدينة إسطنبول، ألغت قرار تبرئة كافالا من قضية الاحتجاجات، ما مهد الطريق لإعادة محاكمته ثانية.
ووافقت محكمة تركية، في الشهر نفسه، على ضم القضيتين المرفوعتين بحق كافالا، وهما قضية الاحتجاجات، والانقلاب.
وينفي كافالا، المتهم بالتجسس ومحاولة الإطاحة بالحكومة خلال الاحتجاجات البيئية في حديقة جيزي في إسطنبول عام 2013، جميع التهم الموجهة إليه.
ومن المقرر عقد الجلسة المقبلة للمحكمة في القضية المرفوعة ضد كافالا وعدة أشخاص آخرين في 26 نوفمبر المقبل. وقد يواجه عقوبة السجن مدى الحياة في حال إدانته.
أشخاص غير مرغوب فيهم
يوم السبت، قال رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان إن سفراء 10 دول دعوا للإفراج عن المعارض عثمان كافالا، سيتم إعلانهم بأنهم “أشخاص غير مرغوب فيهم”.
وأضاف أردوغان خلال زيارة لوسط تركيا: “أمرت وزير خارجيتنا بالتعامل في أسرع وقت مع إعلان هؤلاء السفراء العشرة (عبر اعتبارهم) أشخاصا غير مرغوب فيهم”، من دون أن يعلن موعدا محددا لذلك”.
وتابع: “قلت لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، إننا لن نستطيع تحمل استضافة هؤلاء السفراء في بلدنا، لا مكان لهم في تركيا”.
كما هاجم الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، قائلًا: “من أنتم كي تلقنوا تركيا الدروس، ليس من شأنكم أن نطلق سراح كافالا أم لا”.
تهديد أوروبي
وإثر ذلك، قال رئيس البرلمان الأوروبي إن طرد أنقرة 10 سفراء غربيين يدل على التوجه الاستبدادي للحكومة التركية، مؤكدا أن هذا لن يخيف أوروبا.
وهدد ديفيد ساسولي تركيا بعقوبات مرتقبة حال عدم الإفراج عن كافالا.
القضايا الخلافية مع الاتحاد الأوروبي
وقال كرم سعيد، خبير الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أزمة كافالا تأتي في إطار ممارسة ضغوط أكبر على أنقرة في العديد من القضايا الخلافية مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف سعيد، أن أوروبا تضغط بأزمة كافالا جراء 4 ملفات هي الهجرة واللاجئين بعد تهديدات أردوغان ورغبته في الحصول على المزيد من التمويلات الإضافية.
وأوضح أن الملف الثاني مرتبط بدخول تركيا على خط صراعات الإقليم في سوريا وليبيا لكن الأولوية حاليا لأوروبا هو الملف الليبي مع إصرار أنقرة على البقاء في المشهد ودعم تيارات مؤدلجة في محاولة للحفاظ على نفوذها هناك خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل.
أما الملف الثالث، وفق سعيد، فهو مرتبط بالحريات وتعزيز حقوق الإنسان ودعم تيارات المعارضة التي بدت أقرب إلى التوجهات الأوروبية مقارنة بحزب العدالة والتنمية الحاكم خاصة مع قرب الانتخابات في 2023، مشيرا إلى أن كثيرا من الأنظمة الغربية تسعى لوصول المعارضة إلى سدة الحكم جراء حالة التوتر الموجودة مع النظام.
وأشار إلى أن الملف الرابع مرتبط بعدم رضا دول القارة العجوز عن التدخل التركي في بعض مناطق النفوذ الأوروبية وانتهاكات شرق المتوسط وأيضا التقارب مع روسيا خاصة مع إصرار أنقرة على المضي في صفقة إس 400 وتعزيز التعاون معها في الملف السوري.
واعتبر أن هناك أزمة دبلوماسية تتصاعد لكن تركيا ستستغل أزمة كافالا كورقة تناور بها في محاولة للضغط على أوروبا للحصول على بعض الامتيازات.
ولفت إلى أن الأزمة تأتي بالتزامن مع صدور تقرير المفوضية الأوروبية السنوي الذي قدم توصية ملزمة باستحالة دخول تركيا على خط العائلة الأوروبية واستحالة التقارب بين الطرفين في ظل الإصرار على عدم إصلاحات دستورية وقانونية وتفصيل المشهد السياسي على مقاس طموحات مؤسسة الرئاسة.