وقبل الانقلاب العسكري في النيجر العام الماضي، كان هذا البلد الإفريقي شريكاً رئيسياً في الحرب الأميركية ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل في إفريقيا، الذين تسببت هجماتهم في سقوط الآلاف وتشريد الملايين، لكن المجلس العسكري الحاكم طلب من الولايات المتحدة سحب ما يقارب ألفاً من أفرادها العسكريين، ما شكّل تغيراً في الموقف السياسي تجاه الولايات المتحدة.
نهاية أكبر وجود عسكري أميركي
يقول مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون العسكرية، في تعليقه على نطاق الوجود العسكري الأميركي في إفريقيا، إنه “لطالما كانت الولايات المتحدة تأخذ مسألة الإرهاب في منطقة الساحل بشكل جدي، باعتبار أنها تنظر إلى الدول الإفريقية كشركاء، وحلفاء في مكافحة الإرهاب، عكس الدول الأخرى”، معتبراً أن “موقف الولايات المتحدة لم يتغير يوماً”.
وأضاف كيميت، بشأن خسارة القاعدتين الأميركيتين في النيجر، أن “على العالم إدراك أن الحروب المستقبلية لن تعتمد كثيراً على القواعد أو العتاد العسكري، بقدر اعتمادها على آليات حديثة تفوق قدرة تلك الدول التي تتموضع لأخذ مقار عسكرية في إفريقيا، مثل الطائرات ذاتية القيادة، وغيرها”، لافتاً إلى أن “العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا وثيقة”.
وسيضع الانسحاب الأميركي من النيجر حداً لأكبر وجود عسكري أميركي في القارة الإفريقية، وذلك ضمن سلسلة انسحابات غربية من منطقة الساحل الإفريقي، في وقت يبدو توجّه الأنظمة الجديدة الحاكمة في القارة الإفريقية نحو روسيا واضحاً، أكثر من أي وقت مضى.
وجاء الانسحاب الأميركي من النيجر، رغم الجهود الدبلوماسية الكبيرة التي يقول مسؤولون في إدارة بايدن إنهم بذلوها، للحفاظ على القاعدتين الأميركيتين، ودفع النيجر نحو الحكم المدني، إلا أن المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في يوليو 2023، كان له موقف متشدد ضد الوجود الأميركي، حيث أفضت سلسلة من الاجتماعات في واشنطن ونيامي إلى توقيع اتفاقية الانسحاب يوم 19 مايو.
وبحسب تقرير نشره مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية في يناير 2024، تجري مناقشات لاستخدام مدارج في غانا وساحل العاج وبنين، لتشغيل الطائرات المُسيرة، حيث يُمهّد هذا الانتقال إلى تحول استراتيجي مع تزايد تأثير تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش” في المنطقة.
الانسحاب يقوض الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الساحل
يرى إبراهيم يحيى إبراهيم، نائب مدير مشروع الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، في حديث مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن الانسحاب يقوض الانسحاب الاستراتيجية الأمريكية ليس فقط في النيجر، لكن بمنطقة الساحل والمنطقة بأكملها.
وأوضح: عندما حدث الانقلاب في النيجر كان يرمز إلى سقوط آخر دولة ديمقراطية محبوبة للغرب.
واعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، هذا الانسحاب الذي يأتي قبل الموعد النهائي الذي فرضه المجلس العسكري في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، بمثابة «نكسة استراتيجية كبيرة لواشنطن».
الصحيفة، أضافت أن انسحاب القوات الأمريكية، التي بلغ عددها 1100 في النيجر في ذروتها، «يتبع أكثر من عقد من الاستثمار في النيجر، وأشهرا من الجهود غير المثمرة لإعادة البلاد إلى مسار ديمقراطي بعد استيلاء جيشها على السلطة في انقلاب قبل عام».
نفوذ روسيا
وأكدت الصحيفة أن «الوجود العسكري الأمريكي في النيجر كان بمثابة محور جهود واشنطن لمحاربة الإرهاب المتزايد في هذا الجزء من أفريقيا، إلا أن هذا الانسحاب يأتي في وقت يصل فيه العنف المتطرف في غرب القارة إلى مستويات قياسية وينمو نفوذ روسيا في المنطقة».
ويقول اللواء كينيث إيكمان، الذي يقود الانسحاب الأمريكي من النيجر، في مقابلة، إن «أمن المنطقة يشكل مصدر قلق بالغا. لقد أصبح التهديد أسوأ، وانتشر وأصبح أكثر حدة. ومن منظور الولايات المتحدة، تم تقليص وصولنا على الرغم من أن أهدافنا لم تتغير».
واكتسبت القاعدة الأمريكية في النيجر أهمية متزايدة بالنسبة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، التي بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وتصاعدت أكثر منذ نحو عقد من الزمان، بعد أن استولى المتطرفون والانفصاليون على جزء كبير من مالي المجاورة.
واعتبر كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، أن هذه القاعدة منحت «نافذة على كل ما كان يحدث في المنطقة»، مضيفًا: «أما الآن حرفيا ومجازيا، ما نقوم به هو أننا نتحرك إلى الهامش».