انحسار النفوذ السعودي في لبنان لصالح قطر
أعلن وزير الخارجية القطري الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني، الثلاثاء، من بيروت استعداد بلاده لدعم لبنان عبر مشاريع اقتصادية شرط تشكيل حكومة تحُول الانقسامات السياسية الحادة دون ولادتها منذ أشهر.
وحاول آل ثاني طمأنة الفرنسيين بأن الدور القطري لن يكون على حساب المبادرة الفرنسية.
ويحظى التدخل القطري دفعا من النظام التركي التي ستسعى للاستفادة من الاستثمارات والأموال القطرية لتثبت وجودها داخل المناطق السنية في منافسة الدور التقليدي السعودي الذي ينتظر أن يكون متضررا من تعدد المتدخلين، فضلا عن أن المحسوبين على السعودية سيسكتون لأن الرياض في مزاج الهدنة مع القطريين.
وترافقت زيارة الوزير القطري مع عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى بيروت بعد غياب زاد على ثلاثة أشهر.
في غضون ذلك بدا واضحا أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يتابع جهوده لتشكيل الحكومة، وذلك من خلال جهود مصرية – فرنسية وبتنسيق مع دولة الإمارات. فقد وصل الحريري إلى باريس قادما من أبو ظبي حيث أمضى بضعة أيام بعد زيارة للقاهرة التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وليس معروفا ما إذا كانت الجهود القطرية تتناقض مع الجهود الفرنسية – المصرية أم هي مكملة لها في ضوء الانفراج الذي طرأ أخيرا على علاقات الدوحة مع القاهرة والرياض.
وقال الوزير القطري في مؤتمر صحافي إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الرئاسي إنّ بلاده “في سياستها لا تقدم الدعم المالي بل من خلال مشاريع.. ستحدث فرقًا في اقتصاد الدولة”.
وأضاف “هذا الأمر يتطلب وجود حكومة مستقلة للعمل معها”، مؤكدا أنه “بمجرد تشكيل حكومة فإنّ دولة قطر على استعداد لدراسة كافة الخيارات”، “نتحدث عن برنامج اقتصادي متكامل لدعم لبنان”.
وأعربت الرئاسة اللبنانية في بيان لها عقب اللقاء عن “تقدير التسهيلات وفرص العمل التي تقدمها قطر للبنانيين الموجودين فيها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان”.
وحرص الشيخ محمد بن عبدالرحمن على إظهار أن التدخل القطري ليس على حساب المبادرة الفرنسية، وقال “لا نسعى لنسف المبادرة الفرنسية، بل نعمل على استكمال المساعي الدولية لتشكيل حكومة لبنانية”.
لكنه لم يخف رغبة الدوحة في احتضان مفاوضات لبنانية – لبنانية شبيهة بحوارات 2008.
وردا على سؤال عما إذا كانت هناك أي وساطة قطرية مماثلة الآن قال وزير الخارجية “لا مبادرة لدعوة السياسيين إلى الدوحة حاليا”، لكن اللبنانيين محل ترحيب دوما في الدوحة.
وإثر أزمة سياسية حادة توجتها في السابع من مايو 2008 اشتباكات في بيروت بين حزب الله وحلفائه من جهة وأنصار الحكومة المنبثقة من أكثرية مناهضة لسوريا من جهة ثانية استضافت الدوحة مؤتمر حوار حضره ممثلون عن الأطراف اللبنانية.
ونتج عن اتفاق الدوحة حينها انتخاب ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية، وتشكيل حكومة يملك فيها حزب الله وحلفاؤه الثلث المعطل وهو ما كان يطالب به الحزب منذ البداية ويرفضه الطرف الآخر.
إلا أن دور قطر تراجع تدريجيّا خلال السنوات الماضية، خصوصا مع تصاعد التوتر بينها وبين دول خليجية أخرى على رأسها السعودية.
ويقول مراقبون لبنانيون إن الدور القطري سيجد دعما قويا من أطراف لبنانية، خاصة من حزب الله الذي سبق له أن استفاد من الأموال القطرية في مناسبات سابقة منها إعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006.
كما أن العلاقات المتينة بين قطر وإيران تفتح الباب أمام حفاوة حزب الله بالوجود الاستثماري القطري في لبنان.
ورغم الضغوط الدولية التي تقودها فرنسا لا تزال القوى السياسية عاجزة منذ انفجار المرفأ عن تشكيل حكومة تنكب على تنفيذ إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.
ولم تسفر مساعي الحريري -الذي كلف في 22 أكتوبر الماضي بتشكيل الحكومة- عن أي نتيجة حتى الآن وسط انقسامات سياسية واتهامات متبادلة بينه وبين رئيس الجمهورية بفرض شروط تعرقل ولادة الحكومة.
وألغى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الذي زار بيروت مرتين إثر انفجار بيروت، في محاولة لدفع جهود التأليف والإصلاح- زيارة ثالثة كانت مقررة نهاية العام جراء إصابته بكوفيد – 19.
واعتبرت باريس الأسبوع الماضي في ذكرى مرور ستة أشهر على الانفجار أنه من “غير المقبول أن يكون لبنان لا يزال من دون حكومة للاستجابة للأزمة الصحية والاجتماعية وللبدء بتطبيق الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتعافي البلاد واستقرارها”.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها مقابل الدولار، وفاقمت معدلات التضخم وتسبّبت في خسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.