بعد 95 عام… تنظيم الإخونجية من التأسيس إلى الانهيار
في مارس آذار الحالي، مرت 95 عام على تأسيس تنظيم الإخونجية الذي تصنفه العديد من البلدان أنه منظمة إرهابية، تطرح عشرات الأسئلة عن مستقبل هذا التنظيم، وفرص بقائه في ظل الصراع المحتدم على منصب المرسد العام ومراكز النفوذ والمال داخله.
وذهبت الكثير من القراءات الاستشرافية التي تتعلق بقراءة التنظيم وفهم أبعاد قوته وطرق مواجهته، إلى أن الاحتفال بميلاد التنظيم بعد هذه العقود يحمل في طياته احتفال بوفاته في نفس الوقت.
يـأتي هذا خاصة وأن التنظيم لم يعد قادرًا على تجديد خلاياه التي شاخت بفعل الزمان، كما أن مناعته الداخلية لم تعد قادرة على صور المواجهة التي يتعرض لها على الأقل في العشر سنوات الأخيرة.
وكان المؤسس الأول حسن البنا أعلن عن نشأة تنظيمه في ربيع عام 1928 من في إحدى المحافظات المصرية، ورغم أن التنظيم نشأ على يد مدرس ابتدائي إلا أن التنظيم سقط في مكان انطلاقته عام 2013 خلال عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وهذا ربما يوضح شكل الصعود والهبوط في نفس الوقت.
محنة عام 1948
وتمكن تنظيم الإخونجية من إعادة إنتاج نفسه أكثر من مرة رغم المواجهات الكبرى التي تعرض لها سواء في أربعينات أو ستينات القرن الماضي، مستندا إلى قدرته على التلون التي انفرد بها، لكنه لم يعد قادرًا على تكرارها، لأنها باتت مكشوفة، ولأن ضعف التنظيم بات أقوى بكثير من مجرد عودته.
وتعرض التنظيم لمحنة كبيرة عام 1948 بدأت باغتياله لرئيس وزراء مصر ووزير داخليتها محمود فهمي النقراشي، في 28 ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، داخل بهو الوزارة، أعقبه مقتل مؤسس التنظيم ومرشده، بعدها بأقل من شهرين وتحديدًا في 12 فبراير/شباط عام 1949.
توارى التنظيم بعدها ثم ظهر مجددًا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ومع بداية الثورة على العهد الملكي، وما مرت سنوات قليلة حتى تعرض التنظيم لمحنة جديدة في العام 1965 ليختفي تمامًا عن الوجود.
ورغم عدم وجود شُعبة واحدة للإخونجية في هذا التوقيت إلا أن التنظيم نجح في أن يُجدد دماءه وعاد للحياة مرة ثانية.
محطات هامة
ومنذ نشأة التنظيم وبدت “الخيانة” مبدأه في التعامل مع حكام مصر، وسطر بدايتها بانقلابه على الملك عندما اغتال النقراشي رئيس وزراء مصر، الذي كان بمثابة خنجر طعن به التنظيم الملك؛ في وقت كان مؤسس التنظيم يسجل بخط يده كلمات الثناء والاحتفاء به بسجلات التشريفات الملكية بالقصر ثم انقلابه عليه وقتله الرجل التنفيذي الأول في البلاد بعد الملك.
وما فعلوه مع الملك فعلوه مع الرئيس جمال عبد الناصر، فقد حاولوا قتله في ميدان المنشية واعترفوا بجريمتهم، والهدف هنا كان اغتيال الجمهورية الوليدة التي جاءت بها ثورة يوليو/تموز 1952، فاكتشفت أجهزة الأمن محاولة الانقلاب التي كان يعد لها الإخونجية وسيد قطب وجمع من التنظيم بمن فيهم المرشد الحالي محمد بديع، والقائم بعمل المرشد “جبهة لندن” صلاح عبد الحق.
وعندما رفع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الحظر المفروض على التنظيم، انتهى الأمر باغتياله عام 1981.
وتثبت تلك الحوادث أن الإخونجية ما إن يتمكنوا حتى يطعنوا الجميع، فلا أمان لهم، ولا أمل فيهم ولا رجاء من تغييرهم، فالغدر والخيانة جزء من التركيبة الجينية للتنظيم منذ نشأته ولم تتغير هذه التركيبة حتى هذه اللحظة، بل يزداد مكر التنظيم وخداعه وهو ما جعل الشعوب العربية أقوى في مواجهته بعد معرفته.
انكشاف الإخونجية
عودة التنظيم للحياة في المحنتين السابقتين اللتين مر بهما لا يُعني أنه سيعود للعمل من جديد، فكل الدلائل تؤكد بأن جسد تنظيم الإخونجية بات متكلسًا بلا حراك، وقد يكون التنظيم موجودا في عدد من البلدان العربية وغير العربية يعمل فيها بحرية وأريحية وهذا لا يعني عودة الحياة للجسد العجوز الشائخ.
كما أن ضعف التنظيم لا يعني أيضًا سقوطه خلال أيام وأسابيع، فمن الذكاء قراءة التنظيم قراءة جيدة ووضع وحدة قياس خاصة به، وحدة تُناسبه وتُدرك تفاصيله، ومن الخطر نقل وحدات القياس الخاصة بالتنظيمات المتطرفة الأخرى واستخدامها في قياس تنظيم الإخونجية، فكل منهما يختلف عن الآخر وكل منهما له طبيعته الخاصة التي لابد أن نعرفها جيدًا حتى يمكننا مواجهته من خلالها.
وهنا يمكن القول، إن “عمر التنظيم الطويل لن يشفع له في الاستمرار في ظل آليات المواجهة المستمرة، وما بذل في إطار تفكيك الأفكار المؤسسة له”، فالتنظيم الضخم مازال يتكسر على آليات المواجهة الحديثة، وباتت جذوره الآن معرضة للذوبان بعدما كانت سبب ثباته لفترة طويلة.
سببين وراء ضعف التنظيم وربما وفاته، الأول، درجة الوعي التي عمت كل الشعوب العربية والإسلامية التي حاول التنظيم أن يتواجد في جنابتها.
ويتداخل مع هذا الوعي حجم الدراسات الكاشفة للتنظيم وتحركاته وتحولاته في نفس الوقت، وهنا فقد التنظيم موردا مهما يتعلق باجتذاب أعداد جديدة له، بل على العكس بات التنظيم طاردًا فضلًا عن فقدانه للجاذبية التي كان يتمتع بها سابقًا.
الخلافات الداخلية
ووصل التنظيم إلى مرحلة يمكن التنبؤ من خلالها بإعلان الوفاة الدماغية وهو ما جسدته الخلافات الداخلية التي يمر بها.
فالتنظيم انقسم إلى جبهتين أساسيتين إحداهما في إسطنبول ويتزعمها محمود حسين، الذي نصب نفسه قائمًا بأعمال مرشد الإخونجية، وجبهة أخرى في لندن على رأسها صلاح عبد الحق، الذي نصب نفسه هو الآخر قائمًا بأعمال مرشد الإخونجية ويقيم هو الآخر في إسطنبول، وكل منهما له هيئة إدارية “بديل مكتب الإرشاد” ومجلس شورى عام، وهو ما يدل على أن التنظيم الكبير يمر بمرحلة انهيار داخلي.
الاتهامات التي توجهها كل جبهة للجبهة المقابلة تشي بعملية الانهيار المشار إليها؛ فكل منهما يتهم الآخر بالفساد المالي والإداري والتنظيمي والعمالة لأجهزة استخبارات أجنبية، فضلًا عن الاتهام المعتاد للتنظيم بأن الجبهة المقابلة أشد خطرًا على التنظيم من أعدائه وخصومه، وهو ما يُصعب من فكرة عودة التنظيم بثوبه القديم.
الإخونجية لا يمكنهم العودة من جديد، لأن قرار عودتهم للحياة السياسية أو المشهد ليس مرتبطًا بنظام سياسي يُعطي لهم الإذن، وإن كانت بعض الدول مازالت توفر لهم مظلة الحماية وترفض وضعهم على قوائم الإرهاب؛ فقرار العودة مرتبط بالشعوب العربية التي أدركت خطر التنظيم على الأمن السياسي والقومي للأوطان، فضلًا على خطره على الفكرة الإسلامية التي ينخر فيها من خلال فتاواه وقراءته غير الصحيحة للدين ومحاولة تصديرها للنّاس.
لم يبقَ من التنظيم إلا بعد خلافاته الداخلية، ولن يشهد التنظيم أي تقدم في ظل الانهيارات المتتالية سواء على المستوى التنظيمي أو على مستوى وجود التنظيم في بعض البلدان، وبالتالي القراءة الأدق أن المستقبل لن يكون فيه مكان للتنظيم.
مرحلة شيخوخة
المقدمات تؤدي في النهاية إلى نفس النتائج، والتاريخ قال كلمته في تنظيم الإخونجية الإرهابي، فلا يمكن له أن يعيش أكثر من 100 عام، فعند هذا العمر تتهدم الممالك، وعلى رأس كل مائة عام يبعث الله في الأمة من يُجدد لها دينها، ولعل ما يمر به التنظيم الآن يُبشر بهذه النهاية المحتومة.
فالتنظيم يمر بمرحلة شيخوخة منذ 5 أعوام وهي الانشقاق الداخلي أو مرحلة الانهيار التي يشهدها التنظيم، ولعله يستغرق 5 سنوات قادمة حتى يُعلن عن سقوطه بصورة كاملة، فيتوقف عن النبض بعد بلوغه المائة عام.
وقد يتحول الإخونجية إلى تيار فكري بعد أن فشل في “مشروع التنظيم”، ربما هذا ما تنادي به بعض الأصوات داخل التنظيم من المحسوبين على الحمائم أو المعروفيين بالإصلاحيين، ولكنه يجد مواجهة ومجابهة كبيرة.
ويهدف هؤلاء إلى إعادة بعث التنظيم من جديد في صورة العمل الدعوي والاجتماعي ثم البحث بعد ذلك عن عودة ولكن بعد توقف نزيف الانهيار المستمر.
لكن المواجهة لو باتت مركزة على الفكرة المؤسسة، فإن لحظة ميلاد التنظيم المائة قد تشهد لحظة وفاته، فالتنظيم ينهار من داخله ولم يتبق له سوى الفكرة التي باتت منفرة لكل النّاس في كل مكان، ولم يعد أمامنا إلا أن نحتفل بذكرى وفاته في ذكرى نشأته.