بوركينا فاسو والنيجر ومالي تعلن انسحابها من “إيكواس”
"إيكواس" تحت تأثير قوى أجنبية وتخون مبادئها التأسيسية
استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبهم، أعلنت بوركينا فاسو والنيجر ومالي في بيان مشترك الأحد، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس“، في خطوة أعادت طاولة التفاوض للمشهد.
وجاء في البيان المشترك أن “إيكواس”، “تحت تأثير قوى أجنبية، تخون مبادئها التأسيسية وباتت تشكل تهديدا لدولها الأعضاء وشعوبها”.
ودول ترويكا غرب القارة كانت قد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية انقلابات جاءت بالعسكر إلى سدة الحكم، مع وعود بتحول ديمقراطي، وسط تلويح إيكواس بتدخل عسكري للحد من تأثير الدومينو.
وعلى ما يبدو كانت الخطوة متوقعة على ما قال خبراء، إلا أن أثرها جاء فوريا، إذ طلبت المجموعة الاقتصادية العودة إلى مائدة التفاوض مع اعترافها بقيمة الدول الثلاث المنسحبة.
وقال الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر، إن تحركات نيامي (عاصمة النيجر) بتعزيز تحالفها مع مالي وبوركينا فاسو والحديث عن عملة موحدة كان مقدمة لهذا القرار المتوقع.
كتلة جديدة منافسة
وبدت النيجر التي شهدت آخر انقلاب عسكري في البلدان الثلاثة عام 2023، الأكثر حرصا على تعزيز التحالف الجديد في ضوء التهديدات التي طالتها من إيكواس بدعم فرنسي.
وتواجه الدول الثلاث عقوبات اقتصادية وعسكرية من إيكواس منذ أن استولى الجيش على السلطة في مالي عام 2020، وفي بوركينا فاسو عام 2022، ولاحقا في النيجر.
وقال الأمين، إن الأحداث التي جاءت بعد الانقلاب في النيجر كانت تسير في هذا الاتجاه، بعد ضغط إيكواس على النيجر، حينما سعت لاستخدام كل أوراق الضغط على المجلس العسكري من أجل إعادة الرئيس محمد بازوم حليف فرنسا إلى السلطة.
وأوضح أن كلا من روسيا والصين تحاول أن تشكل كتلة جديدة منافسة، وقطبا آخر ضد الوجود الأوروبي والولايات المتحدة في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وأشار إلى أن الترويكا الجديدة انطلقت من أن إيكواس باتت قيدا على حرية التحرك في فضاء عالم يعيد التشكل، لافتا إلى أن الانسحاب دليل على هذه الرؤية الجديدة.
ورجح الأمين أن الدول الثلاث أقدمت على هذه القفزة ربما بعد أن حصلت على ضمانات من قوى دولية رئيسية لدعمها في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا.
وتوقع الخبير النيجري أن تتأثر إيكواس بالانسحاب الثلاثي بشكل ملموس، دون أن يستبعد أن تقدم دول أخرى على الخطوة نفسها إذا ما تشكل تحالف اقتصادي جديد في المنطقة بدعم دول كبرى مثل الصين أو روسيا.
الإرهاب وانعدام الأمن
وأعلنت الترويكا اليوم الأحد الانسحاب من إيكواس في بيان تلي على وسائل الإعلام الرسمية في الدول الثلاث، قائلا إن العواصم الثلاث مع “تحملهم كافة مسؤولياتهم أمام التاريخ واستجابة لتوقعات وتطلعات شعوبهم، يقررون بسيادة كاملة الانسحاب الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وقال الكولونيل أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم المجلس العسكري بالنيجر في البيان بعد 49 عاما ترى شعوب بوركينا فاسو ومالي والنيجر الباسلة بكل أسف وخيبة أمل كبيرة أن منظمة إيكواس حادت عن المثُل العليا لآبائها المؤسسين وروح الوحدة الأفريقية، مضيفا لم تساعد المنظمة بوضوح هذه الدول في حربها الوجودية على الإرهاب وانعدام الأمن.
في المقابل، أبدت إيكواس استعدادها لإيجاد “حل تفاوضي” وقالت في بيان إن الدول الثلاث أعضاء مهمون في المجموعة، التي تبقى ملتزمة بالتوصل إلى حل تفاوضي.
تأسيس اتحاد كونفدرالي
واتفق محمد أغ إسماعيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي مع ما ذهب إليه الأمين في أن قرار انسحاب الدول الثلاث من إيكواس كان متوقعا منذ التهديد به في إطار الرد على قرار التدخل في النيجر.
وقال إسماعيل، إنه قد اقترب أكثر منذ تأسيس تحالف الساحل في سبتمبر/أيلول الماضي، وإعلان قمة باماكو في ديسمبر/كانون الأول عن إمكانية تأسيس اتحاد كونفدرالي بعد اجتماع رؤساء التحالف المرتقب، مضيفا أن هذا التوجه استدعى الانسحاب من أجل تحقيق هذا الأمل.
وأشار إلى أن الترويكا طالما اتهمت إيكواس بالعجز عن تقديم الدعم الكافي لها في مكافحة الإرهاب، بل التواطؤ مع فرنسا ضد العواصم الثلاث، مبينا أن الانسحاب لم يحترم المادة91 من ميثاق المنظمة الذي يستلزم إبلاغ الأمانة العامة برغبة الانسحاب قبل عام كامل من تفعيله.
وأوضح إسماعيل أنه لا تزال في جعبة إيكواس أوراق ضغط منها حقيقة أن الترويكا دول حبيسة تحتاج التعاون مع دول المجموعة، بالإضافة إلى استغلال عدم احترام وثيقة المنظمة وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية.
لكنه أكد أيضا أن خيار التصعيد ربما يؤثر على الجميع وليس فقط على الترويكا، معتبرا أن الأزمة تضعف المنظمة بشكل كبير، كما يمثل ضربة قاسية لفرنسا وسياستها في القارة.
منظمة إيكواس
والمنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تأسست عام 1975، بهدف تعزيز التنمية بين أعضائها الـ15، إذ تضم المنظمة التي تتخذ من العاصمة النيجيرية أبوجا مقرا لها كلاً من: بنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، وساحل العاج، مالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، غامبيا، وغانا، وليبيريا، ونيجيريا، وسيراليون، والرأس الأخضر وغينيا بيساو.
وكانت موريتانيا البلد العربي الوحيد في المجموعة غير أنها انسحبت منها عام 2001.
وتهيمن نيجيريا على إيكواس سياسياً واقتصادياً، وهي تمثل نصف أراضي الكتلة، و60% من ناتجها المحلي الإجمالي، والرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، هو الرئيس الحالي للمجموعة.
ويبلغ مجموع سكان المجموعة نحو 350 مليون نسمة حسب إحصاءات 2021، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.
وتهدف إيكواس إلى إزالة الحواجز الاقتصادية والسياسية واللغوية أمام التجارة بين أعضائها بغية تحقيق التكامل الاقتصادي بينها، وتعزيز التبادل التجاري بين دول المنطقة، وتحقيق الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية.