تحالف استخباري تقوده مصر لمواجهة المشروع التركي في المنطقة العربية
كشفت مصادر أمنية أن رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل زار سرّا عدة دول عربية وفي شمال أفريقيا سعى من خلالها إلى عقد تحالف استخباري يعقبه تعاون عسكري مكثف من أجل مواجهة مشروع تركي وصفه كامل بأنه الأخطر ضد المنطقة العربية منذ وصول أردوغان إلى السلطة.
وقالت المصادر إن كامل عرض معلومات فائقة الحساسية، على نظرائه في الدول التي زارها، عن التحركات والعمليات التركية في ليبيا وسوريا بالإضافة إلى التواجد العسكري في قطر.
وبدأت مصر توسيع دوائر تعاونها الأمني مع دول إقليمية وأخرى أوروبية معنية بالملف الليبي، لتطويق التدخل التركي. وتقول القاهرة إن هذا التدخل لن يقف عند ليبيا، وإنّ لدى أنقرة خطة أوسع تشمل دولا أخرى، ما يستدعي بناء جبهة إقليمية مناهضة له.
وناقش الرجل الأول في المخابرات المصرية مطولا الاستراتيجية التركية وخططها الجديدة في 2020، وعلى رأسها تحريك وكلاء وجواسيس لتركيا في الدول التي زارها بهدف تخريب الاستقرار ليتاح لأنقرة الإمساك بأوراق قوة جديدة في المنطقة تجعلها أكثر تحكما بشروط تفاهمات ومفاوضات مع الأوروبيين أو الروس والأميركيين.
وقال مصدر في القاهرة إن رئيس المخابرات المصرية عباس كامل نجح في تحقيق هدف أساسي من جولته، وهو “تكوين خلية أمنية عالية المستوى شبيهة بغرفة عمليات تضم ممثلين رفيعي المستوى عن أجهزة أمن هذه الدول لمواجهة المخطط التركي والرد عليه”.
وتتحفظ القاهرة على أسماء الدول التي زارها اللواء عباس كامل، ما يجعل خطة المواجهة تحقق النجاح في أكثر من اتجاه، وتمنع أيّ تواجد تركي عسكري إضافي في المنطقة، وتقوض وجوده الحالي في ليبيا وسوريا وقطر والصومال وغيرها.
ويقول متابعون للملف الليبي إن هامش المناورة أمام تركيا سيكون محدودا في مختلف قضايا المنطقة بسبب أسلوب أردوغان في توسيع قائمة الأعداء، التي باتت تضم دولا بارزة مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، ما يعطي مبررات قوية لنجاح التحركات المصرية.
وبات أردوغان على شفا خسارة العلاقة مع روسيا بسبب الوجود العسكري التركي في إدلب في تعارض مع اتفاقيات سابقة مع روسيا، وهو خلاف قد يتوسع بسبب معارضة موسكو أيّ نفوذ تركي في ليبيا، وضغط الكرملين باتجاه حل سياسي في ليبيا يراعي موازين القوى على الأرض والذي يميل بشكل كبير لفائدة قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، فضلا عن تمسك موسكو بضرورة تفكيك الجماعات المتشددة في كلّ من سوريا وليبيا، وهي الورقة التي يتمسك بها الرئيس التركي.
واعتبر الخبير في شؤون الأمن القومي، محمد مجاهد الزيات، أن التحركات المصرية غرضها إحاطة الدول المعنية بكثير من المعلومات وخبايا التوجهات والممارسات التركية التي قد تكون غائبة عن البعض منهم، وكشف خطورة الانسياق وراء التعاون مع أنقرة أو الدخول معها في علاقات إيجابية على أيّ من المستويات المتعلقة بالأمن القومي.
واستبعد الزيات أن تصل هذه التحركات إلى مستوى التحالف الأمني بين القاهرة والعواصم المعنية، لأن تونس والجزائر مثلا تحتفظان بعلاقات جيدة مع أنقرة، ولهما تقديرات حول الأزمة الليبية ليست متطابقة مع مصر، وكل المطلوب منهما الحذر واليقظة وعدم الوثوق تماما في تركيا وفخاخها الأمنية.
وساهمت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الجزائر، لحضور اجتماعات دول جوار ليبيا الشهر الماضي في التوضيح للقيادة الجزائرية ما تقوم به تركيا ورصد بصماتها في كثير من الأزمات الإقليمية.
كما ساهمت الزيارة في ترطيب الأجواء بين الجزائر وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ومهدت لوجود فرص للتفاهم والتعاون بين القاهرة والجزائر في الأزمة الليبية، وطيّ صفحة التباعد السابقة.
ولفت مصدر تركي مقيم في القاهرة، إلى أن تركيا تملك بالفعل خطة للتمدد في المنطقة العربية، لكن عندما توسعت أنقرة في تنفيذها اصطدمت بتحديات جديدة في سوريا، لذلك قد تتعطل بعض الشيء لحين حسم المعركة في إدلب.
وذكر المصدر أن أردوغان يعاني داخليا بسبب توسع دائرة الغاضبين من التورط التركي في الملفات الخارجية، وأن الغضب امتد إلى مختلف المؤسسات والشخصيات العسكرية والأمنية العليا، فضلا عن الحزب الحاكم، الذي يتزايد فيه حجم الرافضين لاستراتيجية رئيس النظام التركي للتدخل في ليبيا بعد الأزمة المعقدة للقوات التركية في سوريا.