تركيا في دائرة العقوبات
هيرقل ميلس
تخضع تركيا لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد تحذيرات مختلفة في الأشهر الماضية. وفي الواقع، فهذه العقوبات بسيطة نسبياً وهي مجرد تحذيرات من فرض عقوبات شديدة لأن تركيا لا تزال تُمنح فرصة لتغيير سياساتها وتجنب وسائل الردع الأشد.
كما أن تركيا لديها خيارات لتقرير عدم استخدام نظام الدفاع الجوي الروسي إس 400، وهو المطلب الرئيسي للولايات المتحدة، ووقف الحفر داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وهو مطلب الاتحاد الأوروبي الرئيسي، لتجنب تكلفة إجراءاتهم العقابية.
منح الاتحاد الأوروبي الحكومة التركية جدولاً زمنيًا حتى مارس 2021 لإثبات تحولها في موقفها، ويبدو أن الولايات المتحدة مستعدة للاكتفاء بتأكيد بسيط من تركيا بأنها لن تقوم بتنشيط نظام الدفاع الروسي إس 400.
ومن الناحية النظرية، فإن إنهاء التوترات بين الشركاء الاستراتيجيين – تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وعلى الأقل بشكل رسمي دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي – يبدو بسيطًا وسهلاً.
ومع ذلك، فإن الخلاف بين الدول المعنية استمر لفترة طويلة، وازداد في الأشهر الماضية ولا يبدو أنه من السهل التغلب عليه.
يشير رد الفعل الأول لتركيا على التحذير من العقوبات إلى أن الرسالة المتلقاة أسيء تفسيرها، وأنها تأتي بنتائج عكسية. وهناك قناعة واسعة في تركيا بأن “الغرب” بشكل عام وتاريخي متحيز ومتآمر ضده. يتم التعبير عن هذا الاعتقاد بمثل هذا الإطار الإشكالي بين الشرق والغرب رسميًا في كل مرة يحدث فيها خلاف.
وتبدو تصريحات مثل “يريدوننا أن نستسلم، ونستسلم ونستسلم”، أو “يخططون لتدمير تركيا” مألوفة للغاية ومعقولة للعديد من الأتراك. لذلك، يتحول كل خلاف إلى قضية ذات مصلحة وطنية حيوية وشرف وطني ومبدأ وطني للدفاع عن النفس.
وبصرف النظر عما إذا كانت هذه الكراهية (أو رهاب المسيحية) صادقة أو إذا تم استغلالها من قبل السياسيين لتناسب مصالحهم الخاصة – على سبيل المثال، لتأمين الدعم الشعبي – فإن النتيجة النهائية هي نفسها: وهي إنها تضع حواجز أمام تركيا للامتثال لتوقعات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تفاقم هذا التصور السلبي للرهاب مؤخرًا حيث بدأ رجب طيب أردوغان شراكة وثيقة مع حزب الحركة القومية الداعم بقوة لكراهية الأجانب.
لم تتم مناقشة تفسير بديل محتمل لما يحدث بين تركيا وشركائها الغربيين داخل البلاد. ولا يُنظر في احتمال وجود مخاوف من أن تركيا تنأى بنفسها عن الغرب وأنها بدلاً من ذلك تحاول التودد إلى روسيا أو أنها تتجاهل مبادئ الاتحاد الأوروبي الأساسية مثل حقوق الإنسان، واحترام القانون، والشفافية، والقانون الدولي من قبل الفاعلين السياسيين الأتراك الحاليين.
وعلى الغرب، ككتلة ولفترة غير متوقعة، أن يتعايش مع مسألة كيفية التعامل مع تركيا. حيث قد يؤدي اتباع نهج ردع وفرض عقوبات صارمة إلى التسريع من عزلة تركيا؛ وقد تخسر مكانتها لدى روسيا، على سبيل المثال.
ومن ناحية أخرى، قد يُنظر إلى سياسة “إخلاء المسؤولية” تجاه ما تختار تركيا القيام به على أنها تفويض مطلق للحكومة التركية، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع على المدى الطويل وتعزيز غرور أردوغان. كما أنه تمت تجربة طريقة التهدئة حتى اليوم وأثبتت أنها متفائلة أكثر من اللازم. لقد تحدت تركيا شركائها، واتبعت، دون ذريعة، مسارها “القومي” الخاص بها على الساحة الدولية: من سوريا إلى ليبيا ومن قضايا حقوق الإنسان إلى القانون الدولي.
لا توجد مؤشرات على أن تركيا ستغير سياستها ما لم يكن هناك سبب للقيام بذلك – مثل العقوبات. لكن هناك سبب ثانٍ لا يزال يجعل منهج الاسترضاء منطقيًا: وهو أنه يومًا ما وبطريقة ما، لن يكون أردوغان في المشهد السياسي، وهذا قد يحسن الوضع. يجب الحرص على عدم إجبار تركيا على اتخاذ قرار مضاد للغرب حتى ذلك اليوم.
هناك ثلاثة معايير مختلفة يجب النظر فيها رغم أننا أمام معضلة كبيرة:
أولا طريقة التهدئة والصبر تم تجربتها ولم تسفر عن نتائج، حيث لم يتم فرض عقوبات حقيقية.
ثانيًا، التغيير السياسي في تركيا لا يبدو أنه وشيك الحدوث، وليس هناك ما يضمن أن التغيير السياسي في المستقبل لن ينتج عنه وضع أسوأ مع قادة أسوأ.
وثالثاً، لا يؤخذ في الاعتبار الضرر الذي يلحق بصورة الغرب ومكانته، وخاصة بين مواطنيه، عند اقتراح بعض التنازلات على المبادئ، لا سيما وأنه تم بناء الناتو والاتحاد الأوروبي في الأساس لتأمين مثل هذه المبادئ، بصرف النظر عن الاعتبارات الاقتصادية والأمنية.
الأوبزرفر العربي