تصاعد الأزمة السياسية بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه
فرماجو يخطط لانتخابات تفرز قيادة موالية للنظام التركي
تتصاعد الأزمة السياسية بين رئيس الصومال محمد عبد الله الملقب ب“فرماجو” ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي، بعد قرار فرماجو الأخير بإقالة رئيس الوزراء.
ويوم أمس الإثنين، أعلن مكتب رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، أن قرار الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، بشأن تعليق سلطاته، يعد “انتهاكا للدستور والقوانين”.
وأكد بيان لمكتب رئيس الوزراء، نشر على حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، أن روبلي يواصل أداء مهامه كالمعتاد،
كما أشار إلى أنه يؤكد التزامه بمسؤولية إجراء عملية انتخابية مقبولة تتوج بانتقال سلمي للسلطة. مشددا على أن فرماجو “مسؤول عن العواقب”.
وبخصوص التحركات العسكرية للقوات الموالية لفرماجو، أكد البيان أن عمل الرئيس “السابق”، ومحاولته الفاشلة للسيطرة عسكريا على مكتب رئيس الوزراء، هي انتهاك للدستور والقوانين الأخرى، وسوف يتحمل فرماجو عواقبه فقط.
الأجندة التركية
ويقول المراقبون السياسيون إن تصعيد الرئيس الصومالي ضد رئيس الوزراء، وسعيه لإجراء انتخابات وفق شروطه يتنزلان ضمن الأجندة التركية التي تدفع نحو انتخابات صومالية تفرز قيادة موالية للنظام التركي وقادرة على حماية المصالح التركية وتنفيذ سلسلة من الاتفاقيات التي تم توقيعها في السنوات الماضية، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الدعم الموجه إلى رئيس الوزراء تصريحات روتينية من دول غربية تحث فيها على الإسراع في إجراء الانتخابات.
وأشار المراقبون إلى أن نقطة الخلاف الرئيسية التي تقلق فرماجو تتعلق بتمسك رئيس الوزراء بالإشراف على مختلف تفاصيل الإعداد للانتخابات، وهو ما يهدد خطط الرئيس للاستمرار لدورة رئاسية جديدة وانتخاب برلمان موال له، كما يهدد فرص استمرار الدعم التركي له إن لم يقدر على توجيه الانتخابات إلى ما تريده أنقرة.
وأعلن فرماجو السبت أن رئيس الوزراء “فشل في إنجاز مهمة إجراء الانتخابات” في البلاد بعد توليه مسؤولية قيادة الانتخابات في مايو الماضي، إثر خلافات نشبت آنذاك حول بعض الأمور الفنية المتعلقة بالسباق ومنها “آلية تشكيل اللجان الانتخابية”.
وأضاف البيان أن رئيس الحكومة “انحرف عن مسار الانتخابات من خلال ضرب وحدة اللجان الانتخابية، ما يشكل تهديدا لاستقلاليتها”، كما أقدم رئيس الحكومة -وفق البيان- على “إصدار قرارات أحادية الجانب (لم يذكرها) وقد تضر بمسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
ودعا فرماجو إلى عقد مؤتمر تشاوري يجمع الحكومة الاتحادية والولايات الصومالية وسلطات العاصمة مقديشو لاختيار “قيادة كفؤة” تقوم بالعملية الانتخابية التي تشمل انتخاب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان وكذلك رئيس الجمهورية.
الانقلاب على الحكومة والدستور
من جانبه اتهم روبلي الرئيس فرماجو بمحاولة “الانقلاب على الحكومة والدستور وقوانين البلد” بعد قراره تعليق مهام رئيس الوزراء ووضع حد لصلاحياته.
ويعتبر فرماجو المنتهية ولايته منذ نحو عام، والذي أخفق سابقا في التمديد لنحو عامين إضافيين، أن تركيا حليف قوي، حيث تقوم بتدريب القوات العسكرية التابعة له، مستفيدة من القاعدة العسكرية الضخمة التي شيدتها في الصومال.
وأكد الخبير في الشؤون الإفريقية حمدي عبدالرحمن أن الصراع بين فرماجو وروبلي هذه المرة خطير ويعيد الأزمة في الصومال إلى المربع الأول بعد أن لاحت في الأفق ملامح يمكن أن تخفف حدتها من خلال التوافق السابق حول إجراء الانتخابات.
فرماجو مدعوم من تركيا
وأضاف عبد الرحمن، أن “العنصر المفصلي في المعادلة هو أن فرماجو مدعوم من تركيا بشكل واضح بعد أن ألقت أنقرة بثقلها العسكري خلفه، وهو ما يعزز ثقته في أنه قادر على تحدي غريمه والعمل من أجل تفويت الفرصة على إجراء انتخابات قد تبعده عن السلطة”.
وقال حمدي عبدالرحمن إن “تركيا تقوم بتدريب قوات الجيش بشكل مكثف، وخطت خطوة كبيرة عقب توريدها طائرات دون طيار إلى مقديشو، وهي الورقة الرابحة في يد فرماجو إذا تم اللجوء إلى الخيار العسكري لحسم صراعه مع روبلي”.
وأشار مكتب روبلي الاثنين إلى أن الرجل يقوم بمهامه اليومية كالمعتاد بعدما اعتبر ما قام به فرماجو “محاولة فاشلة” للسيطرة عسكريا على مكتبه، وأنه “ملتزم تماما بالوفاء بمسؤوليته الوطنية لإجراء عملية انتخابية مقبولة تتوج بانتقال سلمي للسلطة”.
ومن المتوقع عدم استسلام روبلي بسهولة، بعد أن وصلته إشارات دعم من بعض القوى الغربية المتحفظة على تغول تركيا في الصومال.
وأشاد ممثلو المجتمع الدولي بالجهود التي يبذلها روبلي في تسريع الانتخابات وجعلها شفافة وذات مصداقية، حيث رحبوا بالاجتماعات التي عقدها من قبل مع اتحاد المرشحين والمجتمع المدني وأقرّوا بأهمية الاستماع إلى مقترحاتهم بشأن الانتخابات.
ضغوط لإجراء الانتخابات
ومارست بعض القوى الدولية ضغوطا سياسية لإجراء الانتخابات ووقف حالة الجمود في السلطة وإنهاء الفراغ الدستوري الذي يؤدي إلى انسداد أفق المصالحة الوطنية، وهي الورقة التي يرى روبلي أنها يمكن أن تساعده في الحد من تصورات فرماجو، كما أجبرته منذ بضعة أشهر على التراجع عن الاستمرار في السلطة لمدة عامين.
وحثت كل من السفارة الأميركية والبريطانية في مقديشو قادة الصومال على اتخاذ خطوات فورية لنزع فتيل التوترات والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وتجنب العنف، في تأكيد على أنهما تدعمان إجراء الانتخابات وضد أيّ محاولات لتعطيلها.
ويقول المراقبون إن موقف المجتمع الغربي لن يتجاوز حدود التصريحات التي تحض على ضبط النفس والالتزام بمسار الانتخابات وما إلى ذلك من عبارات تتوقف عند الحدود الإعلامية، فلا واشنطن تريد الانخراط مباشرة في الأزمة ولا لندن ترغب في ذلك.
ويلفت هؤلاء إلى أن قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من الصومال أخل بأحد عناصر التوازن الأمني، ففي الوقت الذي وفر فيه لحركة الشباب الصومالية الإرهابية فرصة زيادة نفوذها حصلت تركيا على ضوء أخضر لتكريس نفوذها العسكري ودعم حليفها في السلطة فرماجو الذي يريد أن يفرض سيطرته على أرض الواقع كبديل عن إجراء انتخابات لا يضمن أن تصب نتائجها في صالحه.
والأحد قالت واشنطن إنها “تشعر بقلق عميق إزاء عمليات التأخير المستمرة والمخالفات الإجرائية التي تقوض صدقية العملية الانتخابية”.
وحاول فرماجو أن يضفي على صراعه منهجا أخلاقيا كي لا تكون المواجهة الخارجية مبكرة وأبوابها مفتوحة على مصراعيها، فأمر بإيقاف قائد البحرية الصومالية الجنرال عبدالحميد محمد درير الذي اتهم روبلي بنهب أراضٍ تابعة للبحرية.
وطالب باستكمال تحقيق الجيش في مزاعم سوء استغلال السلطة واختلاس الأراضي العامة المملوكة للجيش والحفاظ على ممتلكات القوات المسلحة، وهي القضية التي استند إليها في قراره بشأن تعليق عمل وصلاحيات رئيس الوزراء الذي قال “إنه متهم بالفساد واختلاس الأموال العامة”.