تنظيم الإخوان وذهنية التخريب
قضية “التسفير”، التي امتهنها تنظيم الإخوان الإرهابي وذراعه التونسية، حزب النهضة، تضيف عنصر إدانة قانونيا وأخلاقيا لمنظومته، المشكِّلة لوعاء وخزّان تحريضي لقادته قبل قواعده.
فهذه القضية تعكس بشكل صريح ذهنية التخريب، التي تُشيعها أفكار تنظيم الإخوان الإرهابي عموما، ويعمل على غرسها في نفوس الناشئة عبر التغرير بهم.
إن مرحلة التلاشي، التي يعيشها التنظيم على مستوى القيادة، وعلى مستوى الحضور الاجتماعي في أكثر من مكان، راكمتها عوامل، بعضها ذاتية منبثقة عن فلسفته الإقصائية وفكره الاغترابي عن المجتمعات والأوطان، التي نبت فيها وحمل هويتها، وأخرى موضوعية واقعية أفصحت عنها ممارساته وسلوكياته، التي اصطدمت منذ بداية ظهوره الأول بالمكونات المتنوعة للمجتمعات، التي عانت من إرهابه السياسي والدموي، ولم يتمكن، رغم مرور عقود على وجوده، من تجاوز هذه الذهنية التخريبية لأسباب برهنت عليها الأحداث، التي تسبب فيها في أكثر من مكان، وأبرزها أنه تنظيم سياسي نقيض للإسلام كدين حنيف ولمبادئه الإنسانية ومُثُله وقيمه النبيلة، على عكس ما تدّعي زعاماته وفرضياته ودعاياته، وأنه تنظيم منغلق مضاد للهويات الوطنية، ومعادٍ للبلدان وللأفراد الذين لا يخضعون لمعتقداته التضليلية.
وربما الأكثر نصاعة ووضوحا في الدلالة على انحرافات أيديولوجيته قد تَمثَّل في جميع محطاته التخريبية، كونه تنظيما مأجورا مستعدا لتنفيذ أي أجندة خارجية يتوهم أنها ستكون له عونًا أو سبيلا للوصول إلى السلطة في أي بلد يضربه بإرهابه.
على مدار عقود من الزمن، وقف قادة كثيرون من تنظيم الإخوان الإرهابي في أقفاص الاتهام بسبب ما جنت أيديهم من جرائم بحق مجتمعاتهم وأوطانهم. مثول “علي العريض” أمام القضاء التونسي، كونه مسؤولا عن عمليات “التسفير”، وبتهمةٍ كهذه حين كان نائبا لرئيس حركة النهضة الإخوانية، ووزيرا سابقا في حكومتها ثم رئيسا للحكومة ما بين أعوام 2011 و2014، ومحاكمته على فعل ارتكبه بكامل وعيه وإرادته ومسؤوليته التنظيمية ضد مجتمعات وشعوب ودول على بُعد آلاف الأميال من تونس، يضع قضية استئصال شأفة هذا التنظيم الإرهابي في سياق الواجب الجمعي، بعد أن قدم قادته الدليل تلو الآخر على عبثية بقائه وخطورة احتضانه من قبل جهات أو دول تستخدمه أداة عابرة لتحقيق أهدافها.
أسهمت ذهنية التخريب، التي طبعت نهج وسلوك تنظيم الإخوان الإرهابي، في تعريته ونزع الغطاء الديني، الذي طالما تلحّف به. اعتمد في كثير من الأحيان على التضليل، طمعا في تحقيق مبتغاه السياسي. اختار الخاصرة الرخوة في المجتمعات واستهدفها بتضليله. كان يرسم خططه على قاعدتين:
الأولى هي الاستحواذ على عقول شرائح اجتماعية مهمشة قابلة للتطويع ضمن أي مسار تتوهم أنه سبيل خلاصها مما هي فيه.
والثانية إشهار إعلان وجود خلاياه من خلال عمليات التخريب والإرهاب.
اليوم وصل التنظيم بشخوصه وأيديولوجيته إلى آخر محطاته وأكثرها تعبيرا عن عقم أفكاره وبؤس شعاراته، حيث يتصارع فلوله على أعلى مستويات قياداته حول أولويات قيادة هنا وشخص هناك.
تجربة تونس الحضارية التاريخية والثقافية الاجتماعية التنويرية حصّنتها وأهلَها في مواجهة محاولات حركة النهضة الإخوانية استدراجها إلى أنفاق مظلمة منحتها فرصة الوصول إلى السلطة والتربع على عرشها وممارستها إلى أن بدأت تأكل ذاتها بأنيابها.
جهدت زعامات الحركة الإخوانية للتغطية على ممارساتها خلال فترة وجودها في السلطة، لكن فضحتهم إخفاقاتهم في التصدي لإدارة شؤون البلاد والعباد.
ورغم وصولهم إلى الحكم، لم يتمكن الإخوان من الخروج عن عباءة النزعة التخريبية المتأصلة في أذهانهم وسلوكهم، فاختاروا الهروب من فضائحهم وعجزهم في الداخل التونسي إلى تنظيم عمليات “تسفير المغرَّرِ بهم” من الشباب إلى ساحات صراع نائية.
اليوم تصل القاطرة إلى آخر محطاتها على يد القضاء التونسي، مشهرًا أدلته الدامغة على جرائم ارتكبها قادة تنظيم الإخوان الإرهابي في تونس وهم على رأس السلطة في البلاد.
ليس مبالغة القول إن تهمة “تسفير الإرهابيين” بشكل منظم عبر شخصيات قيادية في تنظيم الإخوان في تونس، واستغلال مؤسسات دولة بحجم تونس بهويتها الحضارية والاجتماعية والتنويرية، ترقى إلى مصاف الجريمة ضد الإنسانية، وتتجاوز حدودُها البلادَ والشعوب، التي كانت ضحية العمليات الإجرامية التي نفذتها أذرع التنظيم تحت تسميات عديدة ضد أبناء دينها وأمتها، نظرا لما أحدثته سلوكيات أولئك الإرهابيين المُسَفَّرين من تشويه لقيم المجتمع الذي قدموا منه أولا، ولما خلّفوه من آثار تُدمي القلوب في تلك البقاع التي فتكوا بناسها وعمرانها ثانيا.