توقيع اتفاق للدفاع المشترك بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر
في محاولة لموازنة القوى بين دول منطقة الساحل ضد فرنسا التي تبحث من دون جدوى عن مخرج للازمة إثر انقلاب 26 يوليو/تموز العسكري في النيجر، وقّع قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر السبت، اتفاقاً للدفاع المشترك، حيث تعهدوا بتقديم المساعدة لبعضهم البعض في حال وقوع أي تمرد أو اعتداء خارجي.
ووفقاً لاتفاق “تحالف دول الساحل” الذي وقعته الدول الثلاث، فإنه “سيتم اعتبار أي هجوم على سيادة وسلامة أراضي إحدى الأطراف الموقعة على الاتفاق، اعتداءً ضد الأطراف الأخرى”، كما أن الأطراف الأخرى “ستقدم المساعدة بشكل فردي أو جماعي، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة”.
وتعاني هذه الدول الثلاثة من صعوبة في السيطرة على الحركات المسلحة المرتبطة أساساً بتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وشهدت أيضاً توترات في علاقاتها مع جيرانها وشركائها الدوليين، بسبب الانقلابات العسكرية.
وزاد الانقلاب الأخير في النيجر الفجوة بين الدول الثلاثة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، والتي هددت باللجوء إلى القوة لاستعادة الحكم الدستوري في البلاد.
وتعهدت مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للنيجر في حال تعرضها للهجوم.
ميثاق ليبتاكو-جورما
وقال رئيس المرحلة الانتقالية في مالي الجنرال أسيمي جويتا، على منصة x (تويتر سابقاً): “وقعت اليوم مع رؤساء بوركينا فاسو والنيجر ميثاق ليبتاكو-جورما الذي ينشئ تحالف دول الساحل، بهدف إقامة إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة”.
والدول الثلاث كانت أعضاءً في التحالف المشترك لقوة الساحل G5 مع تشاد وموريتانيا، والذي تم إطلاقه في عام 2017 لمكافحة الجماعات المتطرفة في المنطقة، بدعم من فرنسا.
وغادرت مالي هذه القوة بعد الانقلاب العسكري في 2020، في حين قال رئيس النيجر المعزول محمد بازوم في مايو 2022، إن هذه القوة “ميتة” الآن بعد خروج مالي منها.
وتدهورت العلاقات بين فرنسا والدول الثلاثة منذ الانقلابات، واضطرت باريس إلى سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، وتجد نفسها في مواجهة متوترة مع السلطة العسكرية في النيجر، بعد أن طلبت منها سحب قواتها وسفيرها.
وكانت الدول الثلاث أعضاء في القوة المشتركة لتحالف مجموعة الساحل الخمس المدعومة من فرنسا مع تشاد وموريتانيا، والتي تشكلت في عام 2017 للتصدي للجماعات الإرهابية في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين، تركت مالي المنظمة الخاملة بعد انقلاب عسكري، وقال رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم في مايو/أيار من العام الماضي، إن القوة أصبحت الآن “ميتة” بعد رحيل مالي.
السفير الفرنسي في نيامي محتجز
والجمعة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي في نيامي “يحتجزه” العسكريون الممسكون بالسلطة وأنه لا يتناول سوى “حصص غذائية عسكرية”.
وترفض باريس الاعتراف بالسلطات النيجرية الجديدة، كما ترفض مغادرة سفيرها سيلفان ايتيه تلبية لطلب الانقلابيين الذين أطاحوا الرئيس محمد بازوم المحتجز في قصره.
ولدى سؤاله عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون: “سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس بازوم لأنه هو صاحب السلطة الشرعية”، موضحا أنه يتحدث “كل يوم” إلى الرئيس النيجري المنتخب ديمقراطيا في 2021 والذي تجمعه بماكرون علاقة شخصية وثيقة، بحسب مصادر عدة قريبة من الرئاسة.
واضطرت فرنسا إلى سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، وهي الآن في مواجهة مشوبة بالتوتر مع المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر بعد أن طلب منها سحب قواتها وسفيرها.
إضافة إلى محاربة الإرهابيين المرتبطين بتنظيمي القاعدة و”داعش”، تشهد مالي تصاعدا للتوتر بين الجماعات المسلّحة التي يغلب عليها الطوارق والسلطة المركزية.
وقد برزت هذه التوترات مع بدء انسحاب بعثة الأمم المتحدة المنتشرة في مالي منذ العام 2013، والتي دفعتها السلطات المالية للمغادرة في العام 2023.
وتعارض الجماعات المسلّحة نقل معسكرات البعثة إلى الجيش المالي، وسط تنافس على السيطرة على المنطقة. وجعل المجلس العسكري من استعادة السيادة أحد أهدافه.
ويبدو اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2015 أو ما يسمى اتفاق الجزائر بين الحكومة المالية و”تنسيقية حركات أزواد”، على وشك الانهيار.
و”تنسيقية حركات أزواد” تحالف يضم جماعات تطالب بالاستقلال والحكم الذاتي ويهيمن عليه الطوارق.
عناد ماكرون
قال مدير معهد تمبكتو في داكار بكاري سامبي، إن “العناد غير الواقعي لماكرون مع خطاب يعزز الانطباع باتباع سياسة الوصاية أصابا الدبلوماسية الفرنسية بالضياع في هذا الملف”.
واضاف أن “الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها، أرخى بثقله على العناد الفرنسي. المؤسف أن فرنسا تجد نفسها داخل حلقة مفرغة”.
بعد عشرة أعوام من عمليات مكافحة الإرهابيين، دفع العسكريون والدبلوماسيون الفرنسيون إلى خارج مالي، ثم إلى خارج بوركينا فاسو العام الفائت. ومذاك، استعان المجلس العسكري في باماكو بخدمات مجموعة فاغنر الروسية. ولم يبق لباريس سوى حليف واحد في المنطقة هو نيامي.
أنطوان غلاسر الذي شارك في تأليف كتاب “فخ ماكرون الأفريقي”، قال إن “أسلوب التعبير لدى إيمانويل ماكرون والذي بات يفتقر أكثر فأكثر إلى الدبلوماسية يكشف انزعاجا شديدا. نلاحظ فعلا أنه بات في الزاوية وأن فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل”.
وسبق أن توعدت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالتدخل عسكريا في النيجر لإعادة الانتظام الدستوري. وفي هذا السياق قال غلاسر :”مع كل يوم يمر، يتضاءل إمكان تدخل إيكواس، حتى لو كان ذلك لا يعني أنها لن تقوم” بهذه الخطوة.