تونس الجديدة.. الألم والأمل
أحمد المسلماني
في عام 2011 زرتُ قصر قرطاج، والتقيتُ الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بصحبة العالم الكبير الدكتور أحمد زويل. كانت تونس مفعمة بالأمل، ففي ذلك البلد الجميل توجد طبقة وسطى كبيرة، ومستوى تعليمي متميز، ووجهات سياحية جذابة، وقد بدَا للشباب أن عصراً رائعاً قد بدأ للتوّ.
لم يكن ذلك صحيحًا بأىّ حال، فلقد أطفـأ «الإخوان» الأنوار، وراحت تونس تهرول في متاهة واسعة، خلقتها الجماعة و«المنصف» وحلفاؤهم. وبعد عام ثم عامين ثم أعوام.. بدأ التونسيون يدركون أن أفضل أيامهم كانت فيما مضى، وأن «ثورة الياسمين» باتت محاصرة بالأشواك.
تحالفَ «الإخوان» مع متطرفين آخرين، وراحت البلاد تغرق في اشتباكات فكرية وحروب إيديولوجية، بينما انزوى الاقتصاد وانزاحت التنمية في ركن قصىّ.
باتَ عنوان تونس هو السياسة، ثم تعثّرت النخبة في «فائض السياسة». راحت جماعات الإسلام السياسي تضع جدول أعمال للاشيء، وذهبت «حركة النهضة» في كل طريق ماعدا طريق واحد هو طريق النهضة.
كان كلُّ ما يشغل الحركة هو السيطرة على السلطات الثلاث وما حولها، ولمّا ظنت أنها أتتْ بالرئيس قيس سعيد، وأن البلاد قد أدانت لها. فوجئت بأن الرئيس ليس أحد رجالاتها، وأن الشعب لم يعد يتقبل سيطرتها.
من كل شيء إلى لا شيء.. مضت حركة «النهضة» في رحلة السلطة، ومن كل شيء إلى لا شيء أيضاً.. مضت أحلام الثورة وآمال الانطلاق. لم تعد هناك الكثير من الأخبار الجيدة في تونس، بل صارت عناوين الإفلاس الوشيك هي الأكثر تداولاً بعد سنوات النهضة الطويلة.
قبل أيام طرح الرئيس قيس سعيد رؤيته للخروج من ذلك الثقب الأسود الذي يكاد يبتلع المستقبل بأكمله. أسس الرئيس «الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة»، ووضع أبرز خطوات خريطة الطريق: دستور جديد في 25 يوليو 2022، وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022.
تضم الهيئة الوطنية ثلاث لجان: واحدة للقانون، والثانية للحوار، والثالثة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وقد وصف الرئيس الدستور القادم بأنه تأسيس لجمهورية جديدة، وأنَّه سينقل «تونس من الألم والأمل».
إن لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في تقديري هى اللجنة الأهم، ذلك أن تونس باتت أمام لحظة فارقة، وتكاد تتساوى احتمالات النجاح والإخفاق.
تعاني تونس أزمة اقتصادية حادّة، وهى موجودة بكل أبعادها من عجز الموازنة إلى تراجع العملة إلى ارتفاع التضخم إلى عدم القدرة على سداد الديون، وهو ما جعل مجلة لوبوان الفرنسية تقول: «إمّا صندوق النقد الدولي، وإمّا الإفلاس.. ليس هناك خيار ثالث أمام تونس».
إن خيار الصندوق ليس سهلاً هو الآخر، ذلك أن الشروط التي يتطلبها ستزيد من معاناة الشعب، وأمّا عدم اللجوء إلى الصندوق، فسوف يُبقي شبح الإفلاس مائلاً.. أي أن الطريقيْن كلاهما صعب وشاقّ.
لم تصل تونس إلى لحظة اليأس، ولن تصل. فلطالما كان هذا البلد خلّاقاً وقادراً على الانطلاق من جديد.
إن تلاميذ المدارس الذين تحلّقوا حول أسطورة كرة القدم البرازيلي رونالدينو الذي يزور تونس هذا الأسبوع، لدعم السياحة والحرف التقليدية، قد أظهرت الكاميرات مساحات البهجة الكبيرة على وجوههم، وكأنهم يقولون: لازلنا قادرين على الانطلاق. وإذا كان المتطرفون قد قتلوا البهجة وصنعوا اليأس، فبإمكان الشباب استعادة البهجة، وبإمكان الدولة استعادة الأمل.