حركة البناء الإخونجية تعلن مشاركتها في الحكومة الجزائرية
وجاء موقف الفصيل الثاني من تيار الإخونجية المعبر عنه في افتتاح دورة مجلس الشورى الوطني المنعقد الجمعة بالعاصمة معاكسا لتوجه الفصيل الأول الممثل في حركة مجتمع السلم (حمس)، رغم أن كليهما ينحدران من نفس المدرسة السياسية التي أسسها عراب التيار الإخونجي في الجزائر الراحل محفوظ نحناح.
عقدة الزعامة
ويبدو أن العداء السياسي بين البناء وحمس لا يمكن أن يعود إلى الخلف في ظل التضارب المستشري في المواقف والتصورات منذ سنوات عديدة، حيث ظهر أن النرجسية وعقدة الزعامة ما فتئتا تفكّكان مكون الإسلام السياسي، ولم يعد بالإمكان رؤية الاثنين معا في موقع واحد.
ومع ذلك تبقى حركة البناء الفرع الوحيد الذي استطاع تحقيق ذاته السياسية عكس الفروع الأخرى التي انشقت تباعا عن الحركة الأم “حمس”، فلا حركة التغيير بقيادة الوزير السابق عبدالمجيد مناصرة استطاعت الصمود واضطرت للعودة منذ العام 2017 إلى حضن الحركة الأم، ولا تجمع أمل الجزائر “تاج” استطاع الصمود في وجه التطورات المتسارعة التي هزت البلاد منذ العام 2019 استطاع أيضا حماية شرفه السياسي في الاستحقاق الأخير بعدما خرج بصفر مقعد.
وحازت حركة البناء على كتلة نيابية تتألف من 39 مقعدا كخامس قوة سياسية في البلاد الأمر الذي يضمن لها الاستمرار في مشروع الشراكة السياسية الذي تطمح إلى تنفيذه مع السلطة منذ دخول رئيسها عبدالقادر بن قرينة غمار الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2019، بينما قاطعها الغريم حركة مجتمع السلم.
ورغم دخول بن قرينة كمنافس على كرسي قصر المرادية (الرئاسة) إلا أنه تحول في أعقاب عودة المأمورية إلى مرشح السلطة عبدالمجيد تبون إلى حليف لها، ولم يتوان في تقديم أوراق اعتماده بما فيها تلك التي وصفت بـ”الخطيرة” المتصلة بالخطاب المستهدف لمكون عرقي وسياسي مناوئ للسلطة.
مبررات شورى الحركة
وأبقى مجلس شورى الحركة على تداعيات الأزمة الاقتصادية وتداعيات الجائحة الصحية العالمية كذرائع لتبرير دعوة رص الصفوف السياسية، وانخراط البناء الوطني في المسار الذي يستوجب “كوماندوس” سياسيا متضامنا ومنسجما لإنقاذ البلاد، بحسب ما ورد في جلسته الافتتاحية.
وأظهر بن قرينة الذي شغل منصب وزير للسياحة خلال حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وقبلها عضوا في المجلس الانتقالي الذي شكلته السلطة في مطلع التسعينات بعد إلغاء العسكر للانتخابات التشريعية التي جرت آنذاك واستحوذ عليها إخونجية جبهة الإنقاذ، نوايا سحب البساط من الحركة الغريمة من خلال استغلال فتور العلاقة بين حمس والسلطة منذ العام 2011، وعرض نفسه كبديل في حلف جديد يعيد تعديل هوية أطرافه.
وثمّن بيان توّج أشغال مجلس شورى حركة البناء في دورته الاستثنائية “الحوار السياسي الذي قاده الرئيس تبون مع الطبقة السياسية الممثلة لكتل المجلس الشعبي الوطني المنتخب”.
ودعا إلى استمراره في مختلف الملفات الكبرى، وعدم الطعن في قرارات المجلس الدستوري رغم الأخطاء الخاصة بتركيز محاضر الفرز، وذلك في إشارة إلى اتهامات “التزوير” التي أطلقتها حركة مجتمع السلم والتجمع الوطني الديمقراطي اللذين لمحا إلى انحياز الجهاز الإداري لصالح حزب سياسي معين.
وأكد البيان على أن “نتائج الانتخابات التشريعية تمثل قفزة نوعية للحركة والتي عززت موقعها الريادي في المشهد السياسي كقوة سياسية وازنة أفرزتها الانتخابات الأخيرة”.
المشاركة السياسية الإصلاحية
وشدد على أن “خيار الحركة الاستراتيجي هو العمل على المشاركة السياسية الإصلاحية والتحالف مع مختلف القوى الوطنية حول حاجيات المواطن ومجابهة التحديات المحيطة بالدولة والمجتمع”.
وأظهر بن قرينة جرأة كبيرة في خطابه السياسي المناهض للحراك الشعبي رغم ما للخطوة من مغامرة قد تعصف به، خاصة بعدما دخل في سجال حاد مع الفاعلين الراديكاليين المتمسكين بمطلب التغيير الشامل ورحيل السلطة، كما لم يتوان في توجيه انتقاد شديد للقوى السياسية التي قاطعت الانتخابات الأخيرة، على عكس غريمه عبدالرزاق مقري الذي يحاول الإبقاء على جسور التواصل مع الحراك الشعبي.
ورغم إفراز الانتخابات البرلمانية لقوتين إخوانيتين، فإنها مسحت أيضا باقي القوى الإسلامية من الخارطة السياسية على غرار النهضة والإصلاح والجزائر الجديدة وجبهة العدالة والتنمية التي انبثقت بدورها عن مدرسة إسلامية واحدة، لكنها فشلت في إثبات جدارتها بسبب هوس الزعامة، ولم يشفع له خطابها المداهن للسلطة من البقاء في المشهد.
وعكست البيانات التي كشف عنها المجلس الدستوري حول حصيلة الأحزاب الفائزة في الانتخابات حجم الوعاء الشعبي المتراجع للإخونجية، فمن بين حوالي مليون منتخب عبروا عن رأيهم في الاستحقاق، لا تحوز حمس والبناء إلا على حوالي 300 ألف صوت من بين 24 مليون مسجل على اللوائح الانتخابية.