حركة النهضة تسعى لانتزاع المبادرة من يد الرئيس التونسي في أزمة التشكيل الحكومي
مصادر تفيد عزم النهضة على تقديم مرشح بديل عن إلياس الفخفاخ
أكدت مصادر سياسية، أن حركة النهضة الإخونجية ومعها حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وعدد من المستقلين، تعتزم الإعلان اليوم الاثنين، أو غدا الثلاثاء على أقصى تقدير، عن مبادرة سياسية جديدة للخروج من مأزق تشكيل الحكومة.
وتقوم هذه المبادرة، في تفاصيلها، بحسب المصادر على اختيار شخصية جديدة لتشكيل الحكومة بدلا عن إلياس الفخفاخ، تكون مهمتها تكوين حكومة وحدة وطنية تأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، بما يُمكّنها من تأمين حزام سياسي وبرلماني لها يُساعدها على نيل ثقة البرلمان بأغلبية مُريحة.
وفقدت حركة النهضة الفائزة في الانتخابات التشريعية السيطرة على مسار تشكيل الحكومة بعد أن فشلت حكومة مرشحها الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان بعد شهرين من المشاورات.
وتحول مسار تشكيل الحكومة بموجب الدستور إلى الرئيس قيس سعيد الذي عين إلياس الفخفاخ بعد التشاور مع الأحزاب، لكن رئيس البرلمان راشد الغنوشي قال إن الرئيس أخطأ بتعيين الفخفاخ، وهو ما أكد وجود أزمة صامتة بين الحركة وقيس سعيد.
وتخفي هذه المبادرة التي تبدو في ظاهرها حلا بأبعاد دستورية، سعيا لانتزاع المبادرة من يد الرئيس قيس سعيد الذي يمتلك صلاحيات دستورية تسمح له بحل البرلمان وإعادة الانتخابات. وهو السيناريو الذي تسعى كل الأحزاب، وفي مقدمتها النهضة، لتجنبه وإن أبدت العكس.
ولم يتردد قيس سعيد في القول، عقب إعلان حركة النهضة الإخونجية انسحابها من حكومة الفخفاخ، إنه “لن يترك البلاد تتقاذفها المصالح وأن المناورة تحت عباءة الدستور لا يمكن أن تمر”، في إشارة إلى ما بات يتردد بشأن إمكانية لجوء الحركة إلى الفصل 100 من الدستور لتجنب سيناريو إعادة الانتخابات، وهو ما يبدو أنه الفصل نفسه الذي تستند إليه النهضة في مبادرتها المرتقبة.
وقال الخبير الدستوري أمين محفوظ إن ما يطرح في الساحة السياسية التونسية من جدل بشأن إمكانية أن تدفع حركة النهضة إلى تفعيل الفصل 100 من الدستور كي تستعيد المبادرة السياسية وتسحب البساط من تحت أقدام الرئيس قيس سعيد غير وارد إطلاقا.
وأكد محفوظ أن دوائر النهضة “تروج لفرضية مستحيلة لأن كل ما يتعلق بالمفاوضات الحكومية منصوص عليه في الفصل 89 الذي يعطي الأولوية قبل نهاية الآجال الدستورية لرئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ لتشكيل حكومته بعد التوافق مع الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكم”.
وينص الفصل 100 من الدستور التونسي على أنه عند الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة، لأي سبب عدا حالتيْ الاستقالة وسحب الثقة، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الحاكم بتكوين حكومة خلال شهر، وعند تجاوز الأجل المذكور دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على الثقة، يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتتولى تكوين حكومة تتقدم لنيل ثقة مجلس نواب الشعب طبق أحكام الفصل 89.
وبحسب الفصل نفسه تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأعمال تحت إشراف عضو منها يختاره مجلس الوزراء ويسميه رئيس الجمهورية إلى حين مباشرة الحكومة الجديدة مهامها.
وقال محفوظ إن الفصل الدستوري المثير للجدل واضح وصريح وأنه لا يمكن الالتجاء إليه إلا في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة نتيجة العجز عن إدارة مهامه أو نتيجة الوفاة.
ومساء السبت، أعلن الفخفاخ أنه قرّر مع الرئيس، بحث احتمالية تعديل التشكيلة الحكومية المقترحة، في ضوء قرار حركة النهضة الانسحاب منها، وعدم التصويت لها في البرلمان.
وأعلنت النهضة (تمتلك 54 نائبًا من 217 في البرلمان) أنها لن تمنح الثقة لحكومة الفخفاخ؛ بسبب إصراره على رفض مُطالبة الحركة بتشكيل “حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدًا” أي رفض إشراك قلب تونس في الحكومة.
وتحولت النهضة إلى معرقل لتشكيل الحكومة بعد أن كانت تتعهد لناخبيها بعدم تكرار تجربة التوافق التي سبق أن خاضتها مع حركة نداء تونس في 2014 ونفت أي نية لها في التحالف مع قلب تونس.
وتصر النهضة على استنساخ تجربة التوافق مع حزب ليبرالي بما يتيح لها التخفي للتملص من المسؤولية والمحاسبة باعتبارها الحزب الحاكم منذ 2011.
وحذر محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، من تطورات المشهد السياسي التونسي في علاقة بمسار تشكيل الحكومة، الذي بدأ ينزلق نحو متاهة صراع غير مُعلن بين قيس سعيد والنهضة، وذلك في الوقت الذي يجد فيه رئيس الحكومة المُكلف، إلياس الفخفاخ، نفسه أمام 48 ساعة حاسمة في علاقة بمصير حكومته التي تعثر التوافق حولها في ربع الساعة الأخير من المشاورات.
وقال مرزوق “هذه التطورات تجعل البلاد أمام ثلاثة سيناريوهات تتشابك فيها الأهداف والغايات، أولها الذهاب إلى انتخابات مُبكرة قد لا تُغير كثيرا في المشهد الراهن، إن لم تُعد تكرار الأخطاء نفسها”.
واعتبر أن الرئيس قيس سعيد “قد يكون يدفع بشكل أو بآخر نحو هذا السيناريو”، لافتا إلى أن السيناريو الثاني هو العمل خلال اليومين القادمين على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة والذهاب بها إلى البرلمان لنيل الثقة، ومعتبرا أن هذا السيناريو هو الأقدر على إخراج البلاد من الأزمة الراهنة.
أما السيناريو الثالث فهو استقالة إلياس الفخفاخ، واستبداله بشخصية أخرى، وبالتالي بقاء مأزق تشكيل الحكومة يُراوح في دائرة التعقيدات التي تتركز على الحصص والتوازنات.