حزب أردوغان يتآكل … موجة استقالات جديدة من صفوف الحزب
لا تزال تتصاعد أزمة الاستقالات والانشقاقات في صفوف حزب العدالة والتنمية التركي منذ الهزة العنيفة التي شهدها الحزب عشية الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2019، وتواصلت الاستقالات مع توجه أنقرة إلى اعتماد القوة الصلبة في أزمات الإقليم، والتورط مجدداً في المستنقع السوري تحت دعاوى القضاء على الممرات الإرهابية لعناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وفي أحدث موجة من الاستقالات في صفوف الحزب، استقال القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية عثمان جان، الذي قال في خطاب استقالته مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إن “بلاده ليس لها مستقبل ولا يمكن أن تستمر في ظل حكم أردوغان”. كما استقال رئيس فرع الحزب في ولاية جناق قلعة شمال غربي البلاد يغيت أككويون، وكذلك تقدم النائب مصطفى ينار أوغلو باستقالته من الحزب نهاية أكتوبر/تشرين الأول المنقضي بعد أن انتقد سياسات الرئيس أردوغان، خصوصا فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وإلحاق الضرر بالمؤسسات الديمقراطية.
وتزامنت الموجة الجديدة من الاستقالات مع إعلان نائب علي باباجان تدشين حزبه الجديد رسميًا بحلول نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، إضافة إلى تأكيد رئيس حزب السعادة تملا قره أوغلو في المؤتمر السابع للحزب مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أنه في ظل حزب الرئيس رجب طيب أردوغان -الحاكم- لم تعد هناك عدالة ولا تنمية في تركيا.
يمكن تفسير هجرة قطاع واسع من القيادات التاريخية للعدالة والتنمية والقواعد الحزبية إلى جملة من الاعتبارات الضاغطة:
– الممارسات السلطوية لرئيس النظام التركي:
أدى سعي رئيس النظام التركي أردوغان لتفصيل المشهد على مقاس طموحاته السياسية إلى حدوث انشقاقات متتالية داخل الحزب، وتصاعدت موجة الاستقالات بعد الهزائم التي مُني بها الحزب في الانتخابات المحلية التي جرت في نهاية مارس/آذار الماضي.
والأرجح أن قطاعا واسعا من نخب العدالة والتنمية سئم توجه أردوغان نحو الفردية بهدف تثبيت طموحاته السلطوية وغرس مخالبه في جسد المجتمع والإمساك وحده بمفاصل الدولة.
– تعبئة المشاعر القومية:
يلجأ رئيس النظام التركي إلى تجييش العواطف القومية لدى الأتراك، من دون التركيز على القضايا الملحة، لتبرير أطماعه من الانخراط في أزمات الإقليم، وبخاصة في سوريا وليبيا، وهو ما ساهم في تصاعد حدة الانقسامات المجتمعية والسياسية.
– تسخين المشاعر القومية:
ظهر عشية عيد الاستقلال الذي تحتفل به تركيا في 29 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، حيث حاول أردوغان الإيحاء بأنّ هموم الناس اليوميّة والأوضاع الاقتصادية المتردّية، وشحّ فرص العمل، وغيرها من المشكلات التي يعاني منها المواطنون الأتراك تتراجع في سلّم الأولوية والاهتمام، لأنّ تركيا تخوض حرباً مفتوحة، وأنّه لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، وأنّ أيّ انتقاد لسياساته وحربه يندرج في سياق التواطؤ والتآمر والتخاذل.
– تراجع زخم الاقتصاد:
تعاني تركيا من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث فقدت الليرة أكثر من ثلث قيمتها أمام الدولار منذ أغسطس/آب 2018، وبلغ معدل التضخم نحو 15.5%. بيد أن رصيد الديون الخارجية التركية أصبح من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد، وفشلت الإجراءات الحكومية التي اتخذتها حكومة أردوغان في التحايل على الأزمة الراهنة، خاصة في ظل الإصرار على بقاء بيرات ألبيراق صهره وزيراً للمالية، والتدخل في السياسية النقدية، وتبني إجراءات اقتصادية غير ملائمة لطبيعة السوق التركية الراهنة، منها تخفيض معدل الفائدة.
– تراجع شعبية الحزب:
لم يعد حزب العدالة والتنمية قادرا على قراءة المشهد في الداخل، وكان بارزاً هنا الفشل في جذب دعم قطاعات معتبرة لمصلحة عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتراجعت المسيرات والكتابة على الجدران الداعمة للحزب بسبب الفشل في التحايل على الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عامين، والعودة إلى عسكرة القضية الكردية التي تدورها رحاها منذ عام 1984 وراح ضحيتها أكثر من 40 ألف قتيل.
والأرجح أن الرصيد الشعبي للعدالة والتنمية لا يزال يتعرض للتآكل، بسبب رفضه القيام بمراجعة شاملة لأفكاره ومواقفه، واستمراره في ترسيخ الممارسات السلطوية، وهو ما تسبب في زيادة حالة العداء والعنف الداخلي والخارجي في ضوء رفض حلول سلمية لقضايا الأكراد والإرهاب، وتحسن العلاقة مع بعض دول الإقليم، وتهدئة التوتر مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ساعد على تفاقم التحديات والعجز عن تحقيق الاستقرار.
– تراجع عدد الأعضاء:
انخفض عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية خلال العام الجاري بمقدار 788 ألفا و131 عضوًا، بحسب ما أعلنته المحكمة العليا في يوليو/تموز الماضي، وأصبح أعضاؤه 9 ملايين و931 ألفًا و103 أعضاء، بعد أن كانوا 10 ملايين و719 ألفًا و234 عضوًا. كما أنه خلال الشهرين الممتدين من 1 يوليو/تموز حتى 9 سبتمبر/أيلول 2018، انخفض أعضاء الحزب كذلك بمقدار 56 ألف شخص، ما شكل حالة كبيرة من الذعر في أروقة العدالة والتنمية.
– ولادة أحزاب جديدة:
تشهد الخريطة الحزبية في تركيا تغييرات عدة، خاصة بعد استقالة أحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، وتوجههما نحو بناء كيانات سياسية جديدة، من المحتمل أن تنافي حزب أردوغان وتأكل من شرعيته. وكان علي باباجان وزير الاقتصاد السابق قد أكد أنه انتهى من تشكيل الكيان القانوني لحزبه المرتقب قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأعلن عن تأسيس حزب يقترب من هموم الشارع التركي ومواطنيه، بالإضافة إلى إعلانه أن الحزب الجديد سيعمل على وضع خطط لإنقاذ المؤسسات، التي باتت فاشلة والاقتصاد التركي، خصوصا في ظل ما يمر به من أزمات وقبل أن تصبح أي محاولة للحيلولة دون تدهوره متأخرة و”غير مجدية”.
استقالة قيادي بحزب العدالة والتنمية: نادم لتسمية نجلي “أردوغان”
في المقابل يتجه أحمد داود أوغلو هو الآخر إلى تشكيل حزب جديد بمشاركة عدد من نواب حزب العدالة والتنمية في الفترة المقبلة، وهو ما أثار تساؤلات حول فرص نجاح هذه الشخصيات أمام الرئيس رجب طيب أردوغان. واللافت في الأمر أن عدد المؤيدين لتحركات رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو لتأسيس حزب جديد ارتفع إلى أكثر من 100 برلماني سابق، وأكثر من 10 نواب حاليين داخل البرلمان.
– تكريس الانقسامات داخل العدالة والتنمية:
قد يكون أيضًا إحدى نتائج تصاعد الانشقاقات داخل الحزب الحاكم هي تكريس الانقسامات داخل الحزب، خاصة أن سياسات رئيس النظام التركي أردوغان الراهنة أدت إلى أنه اعتمدها معيار ولاء في تعيين الكوادر الإدارية والأمنية والعسكرية داخل مؤسسات الدولة التركية، وهو ما ساهم في تصدع الحزب من الداخل.
كما تصاعدت حدة الانقسامات داخل الحزب، مع سعي أردوغان إلى استنزاف خصومه الإصلاحيين داخل حزب العدالة والتنمية، كخطوة استباقية لتأمين بقاء حزبه في صدارة الاستحقاقات الانتخابية التي تشهدها البلاد، ولضرب مصداقية المخالفين لتوجهاته، وبدا ذلك في محاولة اتهام علي باباجان شريكه السابق في إدارة حزب العدالة والتنمية بالانتماء إلى جماعة “غولن”، ناهيك بتوصيفه للمنشقين عن حزب العدالة والتنمية بالخونة، وأكد أن مصيرهم الفشل ما دام نزلوا من قطار الحزب، بل توعدهم بإجراءات عقابية قاسية.
إجمالا يمكن القول بأن الانشقاقات المستمرة داخل العدالة والتنمية قد تقوض وحدة الحزب وقاعدته الجماهيرية بهجرة جانب معتبر من أعضائه ونوابه باتجاه الحركات السياسية المنتظرة ولادتها قريباً.