خطة السلام: ارتباك أم خداع؟
بعد ثمانية أشهر من الخطوات المحبطة التي اتخذتها إدارة بايدن تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، كشفت الإدارة في الأسابيع الأخيرة عن الخطوة الأكثر إرباكاً على الإطلاق. في 31 مايو الماضي، أعلن الرئيس جو بايدن عن «اتفاق سلام» من ثلاث مراحل قال إنه سيؤدي إلى إنهاء الصراع. وأضاف أن الخطة قد وافقت عليها إسرائيل بالفعل، وأن العبء يقع الآن على عاتق «حماس» لقبول شروطها.
ونشر البيت الأبيض اقتراح الرئيس، وأصدر الصيغة الدقيقة للخطوط العريضة للخطط: المرحلة الأولي: – وقف إطلاق النار بشكل كامل. – انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في غزة. – الإفراج عن بعض الرهائن وبعض رفات الرهائن. · يمكن للمدنيين الفلسطينيين العودة إلى منازلهم في غزة. – زيادة المساعدات الإنسانية. المرحلة الثانية: – وقف الأعمال العدائية بشكل كامل. – تبادل الإفراج عن بقية الرهائن الأحياء. – انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة. المرحلة الثالثة: · خطة إعادة إعمار كبرى في غزة. · إعادة رفات الرهائن إلى ذويهم. وبعد ذلك بوقت قصير، أصدر نتنياهو بياناً، رفض فيه بشكل أساسي اقتراح بايدن باعتباره مختلفاً عن الخطة «الفعلية»، التي وافق عليها.
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء في 1 يونيو ما يلي: «إن شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير: تدمير قدرات حماس العسكرية والحاكمة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل. وبموجب الاقتراح، ستواصل إسرائيل الإصرار على تلبية هذه الشروط قبل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. إن فكرة موافقة إسرائيل على وقف دائم لإطلاق النار قبل استيفاء هذه الشروط هي بداية محكوم عليها بالفشل».
وعندما طُلب توضيح التناقض بين تصريحات بايدن ونتنياهو، بدا أن المتحدثين باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية يقبلون شروط نتنياهو. ووصف مستشار الأمن القومي للرئيس اقتراح بايدن بأنه «وقف إطلاق النار إسرائيلي واتفاق الرهائن» و«الاقتراح الإسرائيلي»، الذي «أعادت الحكومة الإسرائيلية تأكيده مراراً وتكراراً… والآن يعود الأمر إلى «حماس» لقبوله، ويتعين على العالم أجمع أن يدعو حماس لقبوله»
. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إنه إذا كانت حماس ملتزمة حقاً بإنقاذ حياة الفلسطينيين وليس موقفها، فعليها قبول «الصفقة». ومما يزيد الأمر إرباكاً، أن الولايات المتحدة استطاعت في 10 يونيو، تمرير قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يشير إلى اقتراح وقف إطلاق النار المعلن عنه في 31 مايو باعتباره اقتراحاً «قبلته إسرائيل» و«يدعو حماس إلى قبوله أيضاً ويحث الطرفين على تنفيذ بنوده دون تأخير ودون شروط».
ثم يوضح القرار المراحل الثلاث لاقتراح وقف إطلاق النار بعبارات مماثلة لإعلان بايدن في 31 مايو. إن إسرائيل ليست عضواً في مجلس الأمن ولا يمكنها التصويت، لكن سفيرها ذكر أنه رفض القرار، معتبراً أنه يتعارض مع أهداف إسرائيل. وواصل نتنياهو إصراره العلني على هدف إسرائيل المتمثل في تحقيق «النصر الكامل» في غزة. ومما زاد من الارتباك قيام الولايات المتحدة بتسريب ما قالت إنه رد إسرائيل التفصيلي على المقترحات التي قدمها الوسطاء الأميركيون والعرب.
إنه يختلف بشكل أساسي من حيث إن إسرائيل عرضت فقط انسحاباً محدوداً في المرحلة الأولى، وأن الانسحاب الكامل لقواتها لن يحدث إلا في المرحلة الثانية الخاضعة للمفاوضات – ولم يكن أي من الاختلافين مدرجاً في خطة بايدن أو قرار الأمم المتحدة. من جانبها، قبلت «حماس» إلى حد كبير «خطة بايدن» المعلنة وقرار الأمم المتحدة مع بعض التحذيرات (على سبيل المثال، أن يكون وقف إطلاق النار «دائماً» وانسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة). وفي حين أن الثغرات ربما كانت عرضة لمزيد من المفاوضات، إلا أنه كان من المربك سماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يقول: «لقد قبلت إسرائيل الاقتراح كما كان».
وأضاف: «كان بإمكان حماس أن تجيب بكلمة واحدة: نعم». وتظل هناك أسئلة جدية تحتاج إلى إجابات: ما هي بالضبط «الصفقة» – ما الذي أعلنه البيت الأبيض أو ما الذي وصف نتنياهو بالاقتراح «الفعلي»؟ وإذا كانت الولايات المتحدة تعرف اختلافات إسرائيل مع الخطة، فلماذا طُلب من أعضاء مجلس الأمن التصويت على قرار زُعم أنه حظي بقبول إسرائيل؟
وإذا كان الهدف هو الضغط على كل من إسرائيل و«حماس»، فلماذا لا يتم طرح الصفقة كخطة للمفاوضين الأميركيين والعرب ومطالبة إسرائيل و«حماس» بقبولها؟ وأخيرا لماذا هذا الارتباك؟ أم أنه كان خداعاً متعمداً؟