دراما الانتخابات الأميركية
في التاسع من فبراير الحالي، دعا الرئيسُ جو بايدن إلى مؤتمر صحفي لم يكن مقرراً سلفاً في البيت الأبيض من أجل التعليق على التقرير الذي أصدره المحقق الخاص روبرت هور حول طريقة تعامل بايدن مع مواد سرية عندما ترك منصبه نائباً للرئيس في يناير 2017.
وكان هور عُين من قبل المدعي العام ميريك غارلاند في 2023 من أجل التحقيق في الموضوع. وتضمّن تقريره المؤلف من 345 صفحة بعض الملاحظات الضارة بخصوص قدرة بايدن العقلية، إذ أشار إلى أنه لن يسعى إلى محاكمة بايدن بتهمة سوء التعامل مع الملفات. ومن الأسباب التي سيقت لتعليل ذلك هو توقع أن يظهر بمظهر «رجل مسن ذي نية حسنة وذاكرة ضعيفة» في حال مثُل أمام هيئة محلفين، وربما يقضي الحكم الذي سيصدر في حقه بأنه «غير مذنب».
وخلال اللقاء مع الصحافة كان بايدن في موقف دفاعي، ما حدا بالمراسلين إلى الهتاف لطرح أسئلة بشأن صحته وسنه. كما ارتكب إحدى زلاته الشهيرة، حيث خلط بين دولتين اسميْ رئيسيْهما. وقبل ذلك ببضعة أيام، كان قد خلط بين الرئيس الفرنسي ميتران (المتوفى عام 1996) والرئيس الحالي ماكرون. وحقيقة أن ترامب يقع أيضاً في زلات مماثلة، لا تخدم ولا تساعد حجة بايدن للقول بأنه مؤهل لتولي ولاية ثانية كرئيس. ذلك أن بايدن هو الرئيس الحالي، وليس ترامب، وعليه التعامل مع مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية.
والسؤال الآن هو: هل سيتمسك بايدن بخططه للترشح للانتخابات الرئاسية مرة أخرى، أم ستقنعه عائلتُه ومستشاروه بإنهاء حملته بطريقة كريمة، والسماح للحزب الديمقراطي باختيار مرشح جديد لخوض الانتخابات في نوفمبر المقبل؟ الواقع أن المأزق يكمن في أن اسمه مكتوب على كل بطاقات الاقتراع في الانتخابات التمهيدية التي ستجرى خلال الشهرين المقبلين.
ولو استقال الآن، فإن نائبة الرئيس كامالا هاريس ستصبح رئيسة، لكنها أقل شعبية من بايدن، وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي. بعضهم يرى أنه إذا قرر بايدن أنه لا يرغب في الترشح مجدداً، فإن أفضل سيناريو هو الانتظار حتى مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي من المقرر عقده في أواخر أغسطس في شيكاغو.
وسيكون ذلك بعد شهر واحد من انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو في ميلوكي. وفي هذه الحالة، يمكن لبايدن أن يلقي خطاباً لطيفاً يعلن فيه أنه لن يكون مرشح الحزب، ويطلب من المؤتمر اختيار شخص آخر ليحل محله. وفي مثل هذه الظروف، من غير المرجح أن يختار الحزب كامالا هاريس. ولعل المرشحين الأوفر حظاً لخلافة بايدن هما حاكم ولاية كاليفورنيا جافن نيوسم أو حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن وايتمور.
خياران كلاهما لديه منظمات قائمة من المرجح أن تكون قادرة على جلب تمويل كبير، وخاصة في حال اختار «الجمهوريون» دونالد ترامب. هذه بالطبع مجرد تكهنات، لكن بالنظر إلى مخاطر حملة إعادة انتخاب بايدن والمشاكل الكبيرة التي ما زال ينبغي عليه التعامل معها، بما في ذلك أزمة الشرق الأوسط المتصاعدة والمواجهة العسكرية المتواصلة في أوكرانيا، فقد يستطيع مرشح جديد تحفيز الشباب على التصويت في نوفمبر، والإشادة في الوقت نفسه بالعمل الرائع الذي قام به بايدن في ما يتعلق بإنعاش الاقتصاد الأميركي وازدهار سوق العمل.
أكثر من ثمانية أشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية، ومن الممكن أن تحدث أحداث كثيرة تجعل التكهنات السابقة غير ذات أهمية. فقد يلمس بايدن في نفسه القوة الكافية لإثبات أنه قادر على الترشح مرة أخرى. ومن جانبه، يواجه ترامب العديد من المشاكل القانونية التي قد تزداد خطورةً، وهو الذي سيبلغ 78 عاماً في يوليو القادم، لذا فإنه ليس محصناً ضد مشاكل صحية محتملة، كما أنه ما زال يفتقر للشعبية بين قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي. وبذلك، تتواصل دراما الانتخابات الأميركية.