دواعش العراق… عودة للثأر من الصحراء والوديان
يسعى دواعش العراق لاستعادة قوته وترتيب صفوفه والانتقام من كل من يختلف معه من المدنيين، وفق مصادر أمنية عراقية.
فهو ينتقم من الفلاحين بحرق محاصيلهم الزراعية في موسم الحصاد، ومن أصحاب الشاحنات بحرق سياراتهم، خصوصاً الذين يعملون مع قوات التحالف، كما يسعى لقتل المنتسبين إلى القوات الأمنية أو خطف عوائلهم.
وذكرت المصادر أن التنظيم الإرهابي يسعى أيضاً لطلب “الإتاوات الزراعية” في موسم الحصاد، ومن لا يدفع يقوم بحرق زرعه ويفجر منزله.
إلى ذلك يستغل داعش عدة عوامل للحركة والتخفي والعودة نحو الملاذات الآمنة، منها طبيعة التضاريس في العراق ووجود مناطق صحراوية ووديان عديدة في مناطق وسط وغرب البلاد، ناهيك عن مناطق لا وجود للقوات العراقية فيها، خاصة الجبلية الوعرة والأودية المنتشرة والمساحات الشاسعة غير المأهولة بالسكان.
وبحسب مصدر في الاستخبارات العراقية، رفض الكشف عن هويته، لا يزال التنظيم يتمتع بحرية كبيرة من الحركة عبر “مجموعات متنقلة” تواصل شن هجمات هنا وهناك في المناطق الهشة أمنياً، عازياً السبب إلى أن “داعش” عاد لترتيب صفوفه خيطياً وأصبح أكثر حذراً وخوفاً من أن يُكشف عناصره.
ورغم كل ذلك، فإن هذه الهجمات تعتبر ضعيفة قياساً بالتي كان يشنها ما قبل عام 2017 بعد سيطرته على مدينة الموصل منتصف عام 2014، ثم التمدد إلى مناطق واسعة في العراق والسيطرة على عدة مدن، منها الأنبار وصلاح الدين وأجزاء من مدينة كركوك النفطية ومن ثم الوصول إلى تخوم العاصمة بغداد. ضعف الإمكانيات والهزائم التي مني بها التنظيم بعد الظهور علناً وتشكيله لـ”خلافته المزعومة”، دفعته للعودة إلى نقطة البداية، حيث تنفذ المجاميع المنفردة هجمات هنا وهناك، كان آخرها ما حدث قبل يومين في قضية مختار قرية جلام سامراء الذي قتل “داعش” أشقاءه وفجر منزله وحرق كل ممتلكاته لرفضه الانصياع للتنظيم المتطرف.
وتعقيباً على الموضوع، قال الخبير الأمني والباحث في شؤون الجماعات المسلحة، فاضل أبو رغيف، لـ”العربية.نت” إن “داعش خرج الآن من حرب المدن إلى حرب العصابات وحرب الضربات العشوائية هنا وهناك، ومن حرب المدن إلى حرب القرى الرافضة لوجوده، بحيث بدأ يعتمد على لمّ شمل مقاتليه الذين ضاقت بهم الأرض ذرعاً وهربوا بعد معارك الموصل كل واحد في جهة ليعودوا من جديد ولكن بطريقة جديدة وهي التجمع على شكل مجاميع بسيطة وحلقات صغيرة تنفذ عمليات محدودة، الغاية منها إثبات الوجود وزرع الأمل في قلوب مناصري التنظيم من جديد”.
كما أوضح أبو رغيف أن “التنظيم يتمركز في أخطر ثلاثة وديان في العالم وليس العراق فقط، وهي أودية زغيتون ووادي الشاي وهما يلتقيان بوادٍ ثالث هو وادي أبو خناجر، وهو الأخطر، وكلها تقع في مدينة كركوك. ويبلغ عرض وادي زغيتون وأبو خناجر ما يقارب 4 إلى 5 كم وبطول 73 كم. تقطع مناطق كركوك وصولاً إلى منطقة الزركة في محافظة صلاح الدين. تمتد على سلسلة جبال حمرين وتشمل العديد من القرى، منها قرى الرشاد في كركوك، حيث يتمركز كل عناصر داعش من الأجانب في هذه الأودية الثلاثة التي أصبحت أرض التمكين والانطلاق نحو الأهداف الأخرى”.
إلى ذلك أكد أن “النقاط الأخرى لتواجد عناصر داعش هي قضاء الحضر ومنطقة العباسي والحضر غرب نينوى، التي تعتبر نقطة انطلاق لقربها من الحدود السورية ومنطقة العباسي في شمال غربي كركوك، والتي ترتبط جغرافياً ببقية مناطق صلاح الدين القريبة من مناطق الموصل وصولاً للحدود السورية. وقد جرى مؤخراً تهريب 20 عنصراً من أهم قيادات داعش في الحسكة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وهم جماعة حجي سمير وحجي أمان وحجي بكر، الذين هم من نواة التنظيم المتطرف. وهناك احتمالان فإما أنهم تمركزوا في سوريا أو تسللوا بأوامر من عبدالله قرداش ليلتحقوا تحت إمرة القيادي الداعشي الملقب حجي تيسير”.
وأضاف أن “داعش عاد بتجمعات مبعثرة وهي تجمعات على أشكال إما خيطية أو عنكبوتية، تلتقي عبر ما يسمى الربطات، وهو مفهوم معروف لدى التنظيم أي الالتقاء بدون أي أجهزة اتصال محمولة”.
كما شدد أبو رغيف على أن “لدى التنظيم 3 مجسات هي المجس السياسي والاقتصادي وتمت إضافة المجس الصحي. ويرى “داعش” فيروس كورونا المستجد مناسبة جيدة لزج أفراده في عمليات جديدة لترويع الناس في المناطق القروية”.
واستدرك قائلاً إن “زعيم داعش الجديد عبدالله قرداش يمتاز بالقسوة وقدرة التأثير. هناك 6000 مقاتل جاهزون في مناطق غازي عنتاب والرحباني في الحدود السورية التركية، تحت إمرة قرداش وينتظرون أوامره للتحرك. فهم على شكل خلايا نائمة معدة للتحرك في أي لحظة يراها التنظيم مناسبة”.
إلى ذلك أضاف أن “هناك قواطع داعشية بدأت بالنشاط في مناطق متفرقة من العراق. وهذه القواطع هي قاطع الكاطون في ديالى وهو أحد القواطع السبعة في ولاية ديالى سابقاً وشمال المقدادية وناحية قرة تبة وناحية جلولاء وقراها، خاصة قرى الإصلاح وأم الحنطة، والتي فيها غابات كثيفة يصعب على القوات الأمنية اقتحامها. وكذلك منطقة بحيرة ديالى التي تعتبر مقراً رئيسياً لعناصر التنظيم الذين هربوا إليها من معارك الموصل وصلاح الدين وكركوك. كما هناك قاطع صلاح الدين وجنوب غربي كركوك في منطقة الحويجة والرياض وصولاً إلى كركوك، التي نفذ فيها التنظيم هجوماً بالأسلحة الكاتمة وقتل شرطياً في منطقة يايجي في كركوك، إضافة إلى وادي حوران”. ولفت إلى أن “الوادي الأخطر في الأنبار، والذي يصل العراق بالحدود السورية والأردنية، يعتبر ملاذاً آمناً لتواجد عناصر داعش”.
وقال أبو رغيف إن “أحد أسباب حركة داعش الجديدة هي تنفيذ عمليات متقطعة بجبهات جزئية، وهذا خطأ فادح يعطي مناعة للتنظيم مرة أخرى كما حدث في عمليات شمال بغداد في مناطق الطارمية والمشاهدة، حيث تحدث عمليات جزئية لأيام وبعدها يعود عناصر التنظيم لينتقموا من بعض من يعتبرونهم موالين للحكومة والقوات الأمنية”.
كما أضاف أن “أفضل عملية لقطع دابر التنظيم هي فتح محاور متعددة لجبهة واحدة واسعة ولا يجب القيام بعمليات جزئية محددة بل شق طرق طولية وعرضية لكل هذه المناطق والقواطع التي يتمركز فيها عناصر داعش ويشكلون تهديدات أمنية على المواطنين والقوات الأمنية على حد سواء، ونصب كاميرات حرارية ذات دقة عالية في المناطق التي يؤشر فيها وجود عناصر داعش، الذين سيكونون أكثر شراسة ضد سكان هذه المناطق”.
وأكد أن “الوضع خطير جداً في وادي الشاي، والخطر يشمل مدن كركوك وصلاح الدين وديالى. ويلتزم الأمر نواظير ليلية للقطاعات العسكرية وكاميرات حرارية ومناطيد للمراقبة للحد من خطورة حركة عناصر التنظيم”. وقال إن الأودية الثلاثة التي أشار إليها سابقاً “هي مركز الخطر الحقيقي ومركز القيادة والسيطرة الداعشية في العراق والعالم. فمنها يتحرك التنظيم في العراق وسوريا وليبيا وإفريقيا وأوروبا”، لافتاً إلى أن “انتشار كورونا ما هو إلا هدنة إجبارية للتنظيم بسبب إغلاق الحدود بين الدول ومنع السفر والتباعد الاجتماعي. ولكن بعد انجلاء الفيروس وعودة الحياة، سيعود داعش لتنفيذ كل عملياته المؤجلة”.
إلى ذلك استدرك قائلاً إن “مناطق العياضية والحضر والقيروان وتلعفر وعند الحدود العراقية – السورية التي لا تبعد أكثر من 125 كم، إضافة لمناطق غرب وشرق تكريت، يمكن أن تكون ملاذاً ونقاط انطلاق للتنظيم”، متابعاً: “هناك مناطق في صحراء الأنبار، مثل عكاشات ووادي حوران ومرتفعات بادوش في الموصل، تتيح لـ”داعش” بيئة مناسبة للحركة والتنقل”، موضحاً أن “مناطق شمال ديالى هي الأخطر في محاولات إعادة تسويق التنظيم بصورته الجديدة. فهو يستعمل لغة الانتقام لكل المعارضين له ويعتبرهم أحد أسباب خسارته لأرض الخلافة”، وفق قوله.
وأكد أبو رغيف أن “قرداش يعد خططاً عالية التركيز وجهنمية جديدة لإرساء قواعد التنظيم من جديد”.
وقال إنه “مع الزعامة الجديدة لعبد الله قرداش فإنه ينتقم من كل من يخالفه الرأي. وهذه القرى التي يريد داعش الانتقام منها ويقصفها بين الحين والآخر أو يقتل أبناءها ويحرق محاصيلها الزراعية هي رافضة لوجود التنظيم فيها وتحاربه من أجل خلاصها منه وعدم دفع الإتاوات له أو لموالين له”.
كما شدد على أن “التنظيم سيكون شرساً ومنظماً وانتقامياً جداً في مناطق صلاح الدين وكركوك وديالى. وستكون الموصل ممراً لا مقراً له”.
الأوبزرفر العربي