رئيس الوزراء اليمني يؤكد قرب الإعلان عن الحكومة اليمنية الجديدة
تحذيرات من إعادة إدماج عناصر إرهابية في ميليشا الإخونجية
وسط تحذيرات من محاولات التيار القطري في اليمن لتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، أكد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، الخميس، أن موعد الإعلان عن تشكيل حكومة الكفاءات السياسية الجديدة قد اقترب، بعد نجاح تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض.
وقال عبد الملك، الخميس، إن حكومة الكفاءات السياسية الجديدة ستكون استثنائية في توقيتها، ومهامها نوعية، وتتطلب الاضطلاع بالمسؤولية على أكمل وجه.
وأشادت الحكومة بمسؤولية وتعاون دعم السعودية لتسريع آلية تنفيذ اتفاق الرياض.
قبل ذلك، اكتملت الترتيبات العسكرية من أجل تنفيذ اتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي.
وانتشرت قوات الألوية المكلفة من تحالف دعم الشرعية في اليمن، بمهام الفصل بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة الشرعية، في مواقع طرفي النزاع في منطقة الطرية، ووادي سلا بمحافظة أبين، ضمن الترتيبات العسكرية من آلية تنفيذ اتفاق الرياض، حسب ما أعلن المركز الإعلامي لألوية العمالقة.
وأفاد المركز أن الانتشار جاء بعد أن التقت قيادة قوات العمالقة بقيادة من طرفي النزاع في أبين بالتنسيق مع اللجنة السعودية المشرفة على عملية الانسحاب ووقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن القوات انتشرت أمس، في مواقع الشيخ سالم، وقامت بفتح الطريق الدولي أمام المسافرين بشكل مستمر، وتطهير المناطق الفاصلة من الألغام.
تصريحات رئيس الوزراء اليمني تأتي في وقت حذرت فيه شخصيات سياسية وأمنية يمنية من أن إخونجية اليمن بصدد القيام بخطوة بالغة الخطورة تتجاوز كل الخطوط الحمر، وتتمثل في جمعهم فلول تنظيم القاعدة المنهزم في الحرب التي دارت ضده خلال السنوات الأخيرة في عدد من مناطق جنوب اليمن، وإعادة إدماج هؤلاء المقاتلين المتمرسين بحرب العصابات، ضمن ميليشيا التي يعملون منذ سنوات على تأسيسها بتمويل قطري، استعدادا لصراع طويل الأمد هدفه السيطرة على مناطق يمنية شاسعة ذات مواقع استراتيجية وغنية بالموارد الطبيعية، من مأرب شرقي صنعاء إلى أبين وشبوة جنوبا إلى تعز غربا، مرورا بعدن التي يعملون على محاصرتها من مختلف الاتجاهات تمهيدا للانقضاض عليها وانتزاعها من سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتقول مصادر يمنية مطلعة على عمليات تجنيد مقاتلي القاعدة الذين سبق لهم أن شاركوا في احتلال مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن سنة 2015، وكذلك في عدة معارك خاضها تنظيمهم في أبين والبيضاء وغيرهما، أن التجنيد اقتصر على المقاتلين الميدانيين الشباب غير المعروفين، وتمّ تجنّب القياديين من مختلف الدرجات كون هؤلاء معروفين عادة وعليهم ملاحقات من قبل الأجهزة الاستخباراتية الإقليمية وحتى الدولية في بعض الأحيان.
توضح المصادر أن ما سهل على الإخونجية عملية استيعاب مقاتلي القاعدة وإدماجهم، هو سلسلة الضربات والهزائم التي تلقاها التنظيم المتشدد في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بعد أن مرّ بفترة تغوّل رفعت طموحاته من مجرّد تنفيذ العمليات الخاطفة والهجمات الانتقائية الهادفة بالأساس إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف القوى الأمنية، إلى محاولة السيطرة على مناطق كاملة واتخاذها نواة لتأسيس إمارته الإسلامية المنشودة على غرار احتلاله للمكلا لفترة وجيزة سنة 2015، وكذلك استيلاؤه على مدينة زنجبار مركز محافظة أبين ومدينة جعار القريبة منها.
وواجه تنظيم القاعدة بعد ذلك أكبر حملة عسكرية ضده شارك فيها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ولعبت فيها القوات الإماراتية دورا محوريا سواء بالعمل الاستخباراتي أو المشاركة في العمليات العسكرية وقيادتها وتوجيهها، وخصوصا بتدريب نخب عسكرية مناطقية محليّة وأحزمة أمنية كان لها دور مفصلي في هزيمة التنظيم وطرده من المناطق التي احتلّها.
وشرّدت هزيمة القاعدة الآلاف من المقاتلين من أبناء القبائل المحلّية الذين لم يكن التحاقهم بالتنظيم يخلو من أهداف مادية في ظلّ شحّ موارد الرزق في البلاد، إذ أنّ المشاركة في غزو المناطق واحتلالها كان يتيح الاستيلاء على ممتلكات وأموال الأهالي الذين لا يستجيبون لأوامر التنظيم وتعاليمه فيعتبرون كفارا ويقتلون في كثير من الأحيان وتصادر أملاكهم، كما كان التنظيم يحلّ محلّ الدولة في فرض الضرائب والإتاوات على الخدمات والأعمال التجارية، ويجمع من ذلك مبالغ هامّة من المال يوزّع جزءا منها على مقاتليه.
لم يكن عسيرا على حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذراع تنظيم الإخونجية في اليمن، وهو يعمل على تقوية جيشه ورفده بالمقاتلين أن يستميل فلول تنظيم القاعدة ممن وجدوا أنفسهم في أوضاع مادية عسيرة عاجزين عن إعالة أسرهم بعد أن قطع تنظيمهم التمويل عنهم بفعل شحّ مصادره إثر انسداد سبل الغزو أمامه وبالتالي وعجزه عن مصادرة الأموال وفرض الإتاوات.
وليس المال هو ما يعوز إخونجية اليمن المعروف على قياداتهم ثراؤهم الفاحش وإدارتهم لمشاريع ضخمة في مختلف القطاعات.
أما عندما يتعلّق الأمر بالإنفاق على ميليشيا الإخونجية وتقويتة وتوسيع قاعدته البشرية، فإن مصدر التمويل الأساسي يكون قطر الغنية بأموال الغاز الطبيعي والتي تريد أن تبقي على الإخونجية طرفا فاعلا في المعادلة السياسية وأيضا العسكرية اليمنية، لتتّخذ منهم وسيلة لانتزاع موطن قدم لها في البلد ذي الموقع الاستراتيجي.
بالإضافة إلى الميليشيا التابعة للإخونجية ضمن الجيش اليمني، اتّجه هؤلاء خلال السنوات الأخيرة نحو تشكيل جيش رديف بالكامل عبر تجنيد الآلاف في معسكرات غير رسمية يشرف عليها القيادي الإخونجي حمود سعيد المخلافي.
وتؤكّد مصادر ميدانية أنّ تلك المعسكرات التي تركز أغلبها في محافظة تعز بجنوب غرب اليمن تعج بالآلاف من المقاتلين الذين سبق لهم الانتماء لتنظيم القاعدة والقتال إلى جانبه في حضرموت والبيضاء وأبين وغيرها.
ورغم أنّ غاية مقاتلي تنظيم القاعدة من الالتحاق بمليشيا الإخونجية مادية بالأساس، حيث يتلقى أفراد ذلك الجيش رواتب مجزية يحصلون عليها بشكل منتظم، فإنّ أغلبهم لا يجد إشكالات عقائدية وأيديولوجية في الانسلاخ عن التنظيم الأم والالتحاق بتنظيم الإخوان، حيث لا يلاحظ وجود فرق في التشدّد الديني واستخدام العنف لتحقيق الأهداف السياسية.
وما يشجّع الآلاف من عناصر تنظيم القاعدة على الالتحاق بميليشيا الإخونجية ، أنهم لن يضطرّوا إلى إعادة توجيه بنادقهم نحو عدو آخر غير الذي انخرطوا في قتاله خلال السنوات الأخيرة، بل إنّ الانتماء لتلك القوات يمثّل بالنسبة إليهم منصّة مناسبة للانتقام من عدوّهم الذي انتزع الأراضي من أيديهم وفكّك نواة إمارتهم المنشودة، وهو القوات الجنوبية المتعدّدة من أحزمة أمنية ونخب مناطقية، والتي تحوّلت لاحقا إلى دروع لحماية مناطق جنوب اليمن من سيطرة الإخوان عليها بعد خسارتهم الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في شمال البلاد وأصبحت واقعة تحت سيطرة المتمرّدين الحوثيين.
ويأتي على رأس أهداف الإخونجية، وهم يطوّرون مستوى قواتهم عدّة وعتادا ويرفدونها بالآلاف من المقاتلين الجدد، مقارعة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي برز خلال السنوات الأخيرة كقوّة سياسية وعسكرية أولى في جنوب اليمن، مضادة لجماعة الإخوان ومخطّطاتهم في السيطرة على مناطق الجنوب الغنية بالنفط والغاز والتي تضمّ أهمّ منشآته ومرافق تصديره.
وباستخدام السلطة الشرعية بقيادة الرئيس المعترف به دوليا عبدربّه منصور هادي غطاء، انخرط الإخوان في حرب ضارية ضدّ المجلس الانتقالي ما تزال متواصلة إلى اليوم، وقد تركّزت مؤخّرا بشكل رئيسي في محافظة أبين ذات الأهمية الإستراتيجية.
ومما ساعد الإخونجية على خوض تلك المعركة بكفاءة والصمود فيها لمدّة طويلة، تعويلهم على عناصر تنظيم القاعدة ذوي الخبرة الكبيرة بطبيعة المنطقة وبتضاريسها وطرقها الوعرة والمتشعّبة، وذلك استنادا إلى الخبرة السابقة للتنظيم في احتلال بعض مناطق أبين بما في ذلك مركزها مدينة زنجبار.
يرى المختصّون في شؤون الجماعات المتشدّدة، أنّ حزب الإصلاح الإخونجي وهو يستعين برصيد تنظيم القاعدة من المقاتلين، إنّما يحيي علاقات تنظيمية قديمة بين الإخونجية والتنظيم في اليمن وخارجه، إذ أنّ القاعدة كتنظيم جهادي هو أحد “الأبناء الشرعيين” للإخونجية وفكرهم وتنظيراتهم المتعلّقة بالجهاد ومقارعة “أعداء الأمّة” سواء داخل مجتمعها أو من الأمم الأخرى. ويعود بعض الدارسين إلى العلاقات والصلات الوثيقة التي ربطت بين الشيخ عبدالمجيد الزنداني أحد كبار مؤسسي الفرع اليمني من جماعة الإخوان، ومن سيصبحون لاحقا من كبار قادة “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” وكانوا من خرّيجي مجالسه حيث ظهر العديد منهم إلى جانبه أثناء إلقائه دروسه الدينية وخطبه السياسية في أتباعه ومحازبيه.
ولا يخفي الزنداني صلاته بتنظيم القاعدة الذي يعتبره مكوّنا “شرعيا” من مكونات المشهد اليمني، حتىّ أنّه دعا سنة 2014، وعلى الملأ، وعبر شاشة تلفزيون محلّي إلى الحوار مع التنظيم كأحد الشروط الضرورية لتحقيق الاستقرار في البلاد ولتجنّب “اندلاع فتنة طائفية، كما حدث في العراق عندما تمّ إقصاء أهل السنّة فأصبحوا تهديدا داخليا وإقليميا ودوليا”، بحسب تحليل الزنداني.
ويذكر المطلّعون على سيرة الرجل بأنّه سبق له أن انخرط خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي في تجنيد الشباب اليمني وإرسالهم إلى أفغانستان لمحاربة الاتّحاد السوفييتي. وقد شكّل هؤلاء الشباب بعد عودتهم من أفغانستان النواة الصلبة لتنظيم القاعدة في اليمن، ولم يقطع كثير منهم صلاتهم بالزنداني معلّمهم ومرشدهم الأول.
ويقول الباحث صلاح الدين حسن في مقال له بعنوان “حزب الإصلاح الإخونجي في اليمن والقاعدة.. اللّعب بالنار”، إنّ علاقة الزنداني بالقاعدة مسألة متّفق عليها ومعلومة حتّى لدى الولايات المتّحدة إحدى الأطراف الأكثر اهتماما بمقارعة التنظيم في اليمن وبتصيّد كبار قياداته الذين سبق أن انخرطوا في عمليات ضدّ مصالحها في المنطقة.
ويذكر في مقاله أنّ واشنطن التفتت إلى علاقة الزنداني بالقاعدة مبكرا، فأصدرت وزارة الخارجية الأميركية العام 1993 تقريرا أشارت فيه إلى تلك العلاقة الوثيقة. وبعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، رصدت الولايات المتحدة نشاطاً مشبهوها للزنداني وجماعته مع أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ممّا دعا وزارة الخزانة الأميركية إلى تصنيفه كإرهابي عالمي.
ووصل الأمر إلى مطالبة واشنطن في العام 2006 بتسليم الزنداني على خلفية تقديم المحكمة الفيدرالية الأميركية دلائل ومعلومات حول ضلوعه في عملية التخطيط لتفجير المدمّرة الأميركية “يو.إس.إس كول” العام 2000.
وتتحدّث العديد من المصادر اليمنية عن تخادم أمني بين تنظيم القاعدة وحزب التجمع اليمني للإصلاح، تجلّى على سبيل المثال في استعانة القيادي الكبير في التنظيم أنور العولقي عندما شعر بأنّه أصبح أكثر من أي وقت مضى تحت مجهر الملاحظة، بالحزب حيث تنقّل قبل مقتله في سبتمبر 2011 في قصف بطائرة دون طيار بين منازل مملوكة لقادة حزب الإصلاح بهدف الاحتماء بها من الملاحقة الأميركية.
وتقول مصادر يمنية إن الإخونجية من خلال مواقعهم في السلطة وعبر كبار قادتهم السياسيين والعسكريين والأمنيين، لطالما وفّروا الحماية لعناصر القاعدة ومنعوا وقوعهم بأيدي السلطات الأمنية، بل إنّ هؤلاء شاركوا في إطلاق سراح الكثير من عناصر التنظيم بعد توقيفهم.
وتذكر المصادر في هذا السياق عملية اقتحام مشهودة قام بها مسلّحون من حزب الإصلاح في يونيو 2015 لمبنى السجن المركزي في مدينة تعز بجنوب غرب اليمن، وكان وقتها يعجّ بالمئات من عناصر تنظيم القاعدة تمكنّوا جميعا من الفرار، لينخرط أغلبهم ضمن قوات الحزب على سبيل الاعتراف بالجميل وردّه.