رسائل أردوغان المتناقضة تعمق أزمة الثقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي
يسعى النظام التركي إلى تحديث العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بعد سلسلة من الأزمات التي ورطه فيها رئيس النظام رجب طيب أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي.
رسائل أردوغان، تجاه أوروباً مليئة بالمتناقضات، فهو يحاول التودّد إليها مرة بقوله إنّه “يرى مستقبل بلاده مع الاتحاد الأوربي”، ثم يعود ليصفه بأنّه يعاني من “العمى الاستراتيجي”، مما يعكس أزمة ثقة، إلى جانب نوع من التخبّط الذي يتسبّب بإدامة المشاكل مع التكتّل الأوروبيّ.
يرى الخبراء والمختصون في الشأن السياسي، أنّ هناك عدداً من المتغييرات والمستجدات التي بدأت تفرض نفسها على سياسة النظام التركي الخارجية، وبخاصة بعد استلام الرئيس جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة، ومنها الأزمة مع الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى فرض عقوبات على أنقرة، ما دفع أردوغان وعدد من المسؤولين الأتراك إلى إطلاق تصريحات معتدلة بشأن علاقة بلادهم مع الاتحاد الأوروبي.
ونقل موقع بيانيه عن الباحث في العلوم السياسية بجامعة إسطنبول البروفيسور إيلتر توران قوله إن أنقرة تحاول إجراء تعديلات طفيفة في سلوكها وفقًا للظروف المتغيرة في السياسة الخارجية وأنّها تحاول إعادة تشكيل الخطاب من خلال الأحداث المتغيرة في هذا الاتجاه.
وقال إيلتر توران أنّ لدى النظام التركي مشكلة في المصداقية بسياستها الخارجية عندما ينظر إليها من العالم الخارجي. بعبارة أخرى، التقييمات حول ما إذا كان أي شيء قيل أو أي عبارة تم الإدلاء بها، هو استمرارية أم لا، لا يمكن الاعتماد عليها. لذلك، تواجه تركيا معضلة إعادة اندماجها مع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في هذه السنوات.
وأكّد الباحث أنّ أية تحالفات تحتاج إلى تعزيز واقعي مع الخطوات التي أكدت أنقرة عزمها على تنفيذها في مواجهة خطة إصلاح تحتاج إلى دعم خطاب معقول، وإلا، فإن التغييرات التي تتم تجربتها حاليًا لن تتمكن على الأرجح من تحقيق التأثير المطلوب.
وأضاف توران إن العلاقات التي تسعى تركيا إلى تحديثها مع الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى الهزات السابقة، تجعل الخطوات المتخذة لتطوير علاقات جديدة غير قادرة على أنّ تحل محلها.
وذكر توران، بما أن النظام العالمي الجديد يتغير باستمرار، فمن الضروري مواكبة ذلك. ومع ذلك، فإن المراجعة هي نتاج إرادة تركيا بشكل أساسي للوقوع في الشعور بالوحدة التي يجب أن نحافظ عليها مع أوروبا.
وعلى صعيد العلاقات مع واشنطن، هناك أكثر من مسألة عالقة بين واشنطن وأنقرة، من شأنها أن تتسبّب بخلافات في 2021، وتشكل عناوين لأزمات مستمرة ومتجددة، منها أزمة شرق المتوسط، وأزمة صواريخ إس-400، بما في ذلك العقوبات الأميركية على عدد من المسؤولين والهيئات الحكومية التركية، ناهيك عن قضية بنك خلق، والدعم الأميركي للإدارة الذاتية الكردية في سوريا..
وبحسب توران فإنّ بادئ ذي بدء، يجب إيجاد حل ما دامت العلاقات مع واشنطن ستتدهور، وأنّ الأمم المتحدة ستقوم بتفعيل تفضيل العمل مع الاتحاد الأوروبي تحت قيادة بايدن. وبالتالي، فإن سياسة تركيا تجاه أميركا وأوروبا سوف تتأثر ببعضها البعض.
ومن المعلوم أنّ روابط تركيا الاقتصادية مع العالم الخارجي تعتمد بشكل كبير على علاقاتها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وأنّه إذا كانت العلاقة ستنمو، فمن المهم المضي قدمًا في السوق الأميركية إلى جوار الأوروبية.
وفي نفس السياق، لم يبدِ حلف الناتو الموافقة على نظام دفاعي يمكن أن يثق في أن تركيا ليس لديها أنظمة عسكرية تهدد نظام الناتو، أو تهدّد أمن دول أعضاء في الحلف، ولا يمكن تغيير موقف الناتو على المدى القصير، ويجب أيضًا تقييم ما إذا كان من الجيد العمل على تغييره أم لا، ومن الضروري أخذ ذلك بعين الاعتبار.
وبحسب محللين فإنّ العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي من جهة، وأنقرة وواشنطن من جهة ثانية تحتاج إلى وقت للتبلور، وكي يتلافى النظام عقوبات شاملة يمكن أن تفرض عليها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويقول الباحث التركي هاكان غونيش إن أنقرة بعد شرائها منظومة إس-400 تحاول بدء المفاوضات من نقطة أكثر فاعلية. ويذكر أنّه يجب أن تتم مناقشة عدد من القضايا، ومنها تلك المتعلقة بالمنطقة الاقتصادية لشرق المتوسط، إضافة إلى قضايا ليبيا وسوريا، والعلاقات مع عدد من الدول في الشرق المنطقة كإيران والسعودية.
وأشار غونيش أنّه ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن إدارة بايدن-هاريس لن تتخذ خطوة جذرية مهمة في السياسة الخارجية، خاصة في الأشهر الستة الأولى، وستكون أولويتها مشكلة ارتفاع معدل وفيات كورونا وتدهور الرفاهية داخل البلاد. وذكر أنّه منذ النصف الثاني من عام 2021 ستكون هناك فترة مختلفة.
وذكر الباحث أنّه ليس من الغريب أن نقول إن بايدن، على عكس ترامب، سيعمل بشكل أكثر تناغمًا وتنسيقًا مع قادة الدول الأوروبية، لذلك لن تتمكن أنقرة من الاستفادة من التصدعات، ومن عدم التوافق بين الدول الأوروبية كما كان من قبل. وستتطلب القضايا العالقة، ومنها أزمة شرق البحر المتوسط من تركيا اتخاذ خطوات أكثر حذرًا.
وبحسب باحثين فإنّ سياسة النظام التركي الخارجية تحاول تصدير الخطاب القومي في الأجندة الخارجية في مسعى لتخطي الأزمات الداخلية، الأمر الذي قد يتسبب في إشكالات عديدة، ومن المرجح أن تستمر سياسة استخدام تركيا لخطابها العدواني كأداة للسياسة المحلية في عام 2021.
وتتجدّد التحذيرات من أنّ أكبر مشكلة ستواجهها السياسة الخارجية التركية في عام 2021 هي مرة أخرى الحكومة التي تشعر بالحاجة إلى الهيمنة على السياسة الداخلية. فهل يمكن لحكومة أردوغان التوفيق بين خطابها الخارجي الساعي للتهدئة وخطابها الداخلي التصعيدي تجاه المعارضة؟ وإلى أيّ حدّ يمكن أن يمضي أردوغان في الخطوات الإصلاحية التي وعد بها؟