زلزال تركيا-سوريا.. من نافذة الدبلوماسية
لا تعرف كوارث الطبيعة، كالزلازل والأعاصير، الصراعات والنزاعات.. لا تعترف بحدود جغرافية بين الدول.. لا تميز بين أديان وشعوب وقوميات.
كما لا تفرق بين مُوالٍ ومُعارضٍ، سِمتها الأساسية التدمير، وهدم ما بناه البشر خلال العقود الماضية، وتوحيد الدماء والجهود والأرواح في معركة البقاء والوجود والمستقبل.
الزالزل المدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر الاثنين الماضي، كشف هذه الحقيقة، إذ خلّف آلاف الضحايا من وَفَيات ومصابين، وقذف بملايين إلى العراء، ودمَّر مئات المباني السكنية والمؤسسات والمنشآت في البلدين، وفي الوقت نفسه كشف أهمية الجهود الثنائية والإقليمية والدولية في النجدة والتعاون وتقديم الدعم لإنقاذ حياة ملايين البشر من الدمار والمخاطر والكوارث، ففي مثل هذه الحالات لا تعود للصراعات بين الدول والأزمات الداخلية معنى، فقيمة الحياة هنا تتعلق بحياة البشر والحفاظ عليها والقدرة على حمايتها، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح بعيدا عن الخلافات السياسية.
كشفت الطبيعة عبر هذا الزلزال المؤسف مدى تأثر تركيا وسوريا ببعضهما، وحقيقة ارتباط شعبَيهما بمصير مشترك بفعل عوامل كثيرة، وعليه بدت النافذة الإنسانية، التي فُتحت جراء الزلزال أقوى من السياسة والخلافات القائمة بين البلدين، ما يطرح الحديث عن أهمية دور “دبلوماسية الكوارث” في مرحلة ما بعد الزلزال، وأهمية أن تأخذ هذه الدبلوماسية دورها، إلى جانب الجهود الجارية للدفع بالبلدين إلى طيّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، ولعل أولى ملامح هذه الدبلوماسية تتجلى في ضرورة فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وإيجاد آليات وممرات إنسانية لإدخال المساعدات وإغاثة المتضررين جراء الزلازل، وفي كل هذا يمكن أن يكون للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية دور حيوي، بما يؤسس لمرحلة جديدة، تطغى فيها جوانب التعاون على الخلافات السياسية.
داخل سوريا، بدا المشهد مؤلما، إذ كشف الزلزال هشاشة البنية التي تعرضت لأزمات متلاحقة بفعل سنوات الحرب منذ أكثر من عقد، خاصة أن السوريين الذين اكتوَوا بنار الحرب كانوا في حاجة ماسة إلى مختلف أنواع المساعدات الإنسانية قبل الزلزال، فيما أدى الزلزال إلى رفع منسوب الصرخات المحمّلة بالموت من تحت أنقاض المباني المدمّرة، فضلا عن عدم إمكانية وصول مؤسسات الحكومة السورية إلى جميع المناطق الواقعة خارج سيطرتها.
ومع أن الزلزال المدمِّر تضرر الجميع منه، وكان ينبغي أن يُسقط الخلافات بين القوى الموجودة على الأرض في سوريا -ولو مرحليا- لصالح البلاد ومستقبلها، فإن هذا المشهد المطلوب لم يتحقق إلى الآن، في وقت لا تعود الصراعات الجارية بأهمية في ظل الدمار الكبير الذي خلفه الزلزال دون أن يقلل ذلك من أهمية وضرورة توجه الجميع إلى اتخاذ خطوات في هذا الصدد، لا سيما فتح المعابر الأمنية بين هذه المناطق، وتسهيل حركة المساعدات، وتدفق المواد الإغاثية، وتنسيق التعاون مع المؤسسات والمنظمات الدولية للقيام بدورها أمام هول الكارثة، بما يؤدي إلى فتح حوارات داخلية جدية تُسهم في التوافق الوطني على حل سياسي لأزمة سوريا، ولعل مثل هذه الخطوة ستسهل من الانفتاح العربي والدولي على سوريا وأزمتها، بما ينسجم مع جهود المصالحة بين دمشق وأنقرة ويؤسس لمرحلة جديدة.