سياسة مواجهات جديدة متوقعة في إقليم شرق المتوسط
طارق فهمي
فتح الاتفاق التركي – الليبي الباب على مصراعيه في الإقليم المضطرب أصلا حول دخول دول أخرى على خط المواجهة، وهو الأمر الذي لن يقتصر على مواقف مصر واليونان وقبرص بل سيمتد أيضا إلى كل من قبرص اليونانية وإسرائيل ولبنان، وربما أيضا سوريا، وكذلك السلطة الفلسطينية في ظل نزاعها مع الجانب الإسرائيلي على ملكية بعض الآبار أمام سواحل قطاع غزة.
والمعنى أن دول الإقليم التي دخلت في إطار منتدى غاز المتوسط، وضم دولا عربية وأوروبية وإسرائيل، ولأول مرة دفع الجانب التركي للتحرك برغم أنه لا تربطه أصلا حدود بحرية مع الجانب الليبي، ومحاولة تغيير قواعد اللعبة خصوصا أنه لا يملك سوى 12 ميلا بحريا بمقتضى اتفاق 1982 الخاص بقانون البحار، واتفاقية الأمم المتحدة، وملحقاتها الحاكمة لمواقف الدول المتشاطئة، التي تتداخل فيها الحدود، وبمقتضى الاتفاق الموقع مع ليبيا بات لها 200 ميل بحري جديد إضافة إلى 200 ميل بحري للجانب الليبي، حيث ستتواصل الحدود بين الجانبين، باعتبار أن تركيا لا تعترف أصلا بقبرص وجزيرة كريت، واستنادا إلى نظرية الجرف القاري -وفقا لتفسيرها، وليست الحدود البحرية أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبصرف النظر عن التحفظات المطروحة من دول الإقليم على ما يجري، إلا أن معطيات جديدة ستفرض نفسها خصوصا مع احتمالات حدوث مناوشات عسكرية متوقعة بين قبرص وتركيا على التنقيب، ودخول اليونان طرفا أصيلا وأيضا مصر، وهو ما دفع الأخيرة مؤخرا للتبكير بإجراء تدريب بحري متقدم في المتوسط لتأكيد حضورها العسكري وتأكيدا على أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، خصوصا أنه قد سبقها منذ عدة أشهر مناورات ثلاثية ضمت مصر واليونان وقبرص.
هذا الوضع غير المستقر في الإقليم سيدفع دولا أخرى متربصة بما يجري لحسم خياراتها وحساباتها، وهو ما ينطبق على الحالة اللبنانية – الإسرائيلية والصراع الراهن على بلوك 9، الذي تبلغ مساحته 83 ألف كيلومتر مربع، حيث ينقب لبنان في المنطقة المتاخمة لمنطقة بحرية إسرائيلية، ويمس النزاع أيضا منطقتين لبنانيتين لم يجر ترخيصهما بعد، وتبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا وترى إسرائيل أنها تقع ضمن حدودها المائية، وتجدر الإشارة إلى أن حدود “إسرائيل” البحرية – كما البرية – لم تُرسّم بعد.
وفي الإجمال، تقدر هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية حجم احتياطي الغاز في حوض شرق المتوسط بنحو 350 تريليون قدم مكعبة، كما تحتوي المنطقة على كميات ضخمة من احتياطات نفطية تبلغ 3.4 مليار برميل.
وقد قام الجيش الإسرائيلي بإجراء تدريبات شاملة متكررة في شرق المتوسط كان آخرها في أغسطس/آب الماضي في البحر المتوسط تحاكي التصدي لأعمال تخريبية مفاجئة في مناطق الوجود الإسرائيلي، أو التماس الاستراتيجي القريب منها، وأطلق على هذه التدريبات “غضب البحر”، كما اشترت اسرائيل 4 سفن عسكرية جديدة، ستكون مهمتها حماية طوافات البحث عن الغاز في البحر واستخراجه، خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية لمسافة تمتد لـ150 كيلومتراً في مياه البحر المتوسط، وبلغت تكلفة التسلح بها ما يقارب 3 مليارات شيكل (750 مليون دولار).
على جانب آخر، تم توقيع اتفاق مصري – قبرصي لإنشاء خط أنابيب تحت البحر يربط حقل “أفروديت” البحري للغاز الطبيعي بمصنع إسالة مصري، كما ستصل صادرات الغاز الإسرائيلية لمصر إلى 7 مليارات متر مكعب سنويا، على مدى عشر سنوات بناء على اتفاق مشترك بين البلدين (بموجب اتفاق لتصدير الغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار)، ومن المنتظر استخدام نصف الصادرات تقريبا في السوق المحلي المصري، على أن يتم تسييل النصف الآخر لإعادة تصديره، كما اشترت شركات إسرائيلية ومصرية حصة نسبتها 39% في خط أنابيب شرق المتوسط، وتم الاتفاق بين الشركاء في حقلي الغاز البحرييَن تمار ولوثيان لتوريد نحو 64 مليار متر مكعب من الغاز إلى شركة دولفينوس القابضة المصرية الخاصة على مدى عشر سنوات في إطار الصفقة.
ولكن يبقى وجود العقبة الرئيسية، التي تتمثل في تركيا التي لن تسمح بمرور خط أنابيب عبر قبرص، أو في قاع البحر من خلال منطقتها الاقتصادية، بسبب عدم وجود حل لتقسيم الجزيرة المتنازع عليها منذ عام 1974، وقد اتفق الجانب التركي مع روسيا على نقل الغاز إلى جنوب أوروبا عبر أنابيب غاز في قاع البحر الأسود.
ورغم أن الاكتشافات الأخيرة للغاز في حوض شرق المتوسط قد تؤدي إلى اشتعال النزاعات بين الدول المتجاورة – مثلما الحال بين إسرائيل ولبنان فيما يتعلق بتقسيم ثروة قاع البحر – وتركيا ومصر وقبرص وتركيا، والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، فإنها قد تساعد على تطوير أطر للتعاون الإقليمي، وتحويل شرق البحر المتوسط إلى منطقة للسلام والتعاون، وليس إلى منطقة للحروب والنزاعات، وإن كان ذلك في حاجة إلى إرادة سياسية حقيقية، وليست فقط مصالح اقتصادية حاكمة لمواقف وتوجهات كل الأطراف، إلا أن المطروح تجاذبات وصراعات معلنة ومكتومة، وقد تؤدي إلى انفجار الموقف بأكمله في الإقليم في أي وقت.