شبكة العلاقات الإخوانية الإيرانية … أربعون عاماً من التآمر على العرب
لم يكن اعتراف كل من إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، ومحمود الإبياري، القيادي بالجماعة، بصحة ما ورد في تسريبات الموقع الأميركي “ذا إنترسيبت” The Intercept حول لقاء بين وفد من الجماعة وإيرانيين في العام 2014 بتركيا، وأنه الأول والأخير، سليما وصحيحا، بل كانت هناك لقاءات أخرى عقدت بين الجانبين على مدار 40 عاماً، ومنذ وصول الملالي لحكم إيران أعقاب ثورة العام 1979.
وفي هذا التقرير نرصد وفق معلومات حصلنا عليها من مسؤول أمني مصري سابق، وباحثين في ملف حركات الإسلام السياسي وإيران، لقاءات سابقة على هذا اللقاء، ولقاءات أخرى بعده جمعت الطرفين الإيراني والإخواني، وكانت الاتفاقات بينهما على التنسيق والتشاور في ملفات وقضايا إقليمية، ووصلت لحد التعاون المشترك لتشكيل حرس ثوري في مصر عقب وصول الإخوان للسلطة على غرار الحرس الثوري في إيران، ودعم مالي من طهران لحكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي قدره 10 مليارات دولار، ومعلومات مؤكدة بقيام الإخوان في مصر بإرسال معلومات عبر مكتب الرئاسة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، للحرس الثوري الإيراني.
نبدأ من العام 1979، وعقب الثورة الإيرانية وعودة روح الله موسوي خميني، الشهير بـ”الخميني” واعتباره رمزا للثورة الإيرانية ضد الشاه، حيث رتب يوسف ندا، المفوض العام للعلاقات الخارجية في جماعة الإخوان، وفق تصريحاته لوسائل إعلام غربية ومصرية، ووفق ما قاله مصدر أمني مصري، طائرة تقل وفدا من جماعة الإخوان للتوجه إلى طهران، وتقديم التهنئة للخميني. وسبق ذلك، كما يعترف ندا، بأنه زار الخميني في مقر إقامته في نوفشاتيل بفرنسا، قبل عودته لبلاده بعد نجاح الثورة، وكانت طائرة وفد الإخوان التي توجهت إلى طهران هي ثالث طائرة تزور إيران لتقديم التهنئة للخميني عقب إعلان نجاح الثورة ضد الشاه.
وتكشف المعلومات أن ندا اتفق مع الخميني على تنفيذ شركات الإخوان لمخطط تطوير المدن الإيرانية مقابل مليار دولار، حصلت عليها شركاته التي هي في الأساس شركات الجماعة. ويقول ندا في اعترافاته إنه عقب أحداث السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الرهائن الأميركيين تم فرض حصار على إيران، وهو ما أدى لنقص كبير في المواد الغذائية والضرورية في البلاد.
يعترف يوسف ندا ويقول إن رضا صدر، وزير التجارة الإيراني وقتئذ، طلب منه العون باعتباره يعمل في مجل النقل البحري والتدخل لتسهيل نقل المواد الغذائية إلى بلاده لسد الفجوة ومواجهة الأزمة، مضيفا أنه نقل إلى الإيرانيين 100 ألف طن من الصلب، و450 ألف طن من القمح، وخسر في هذه العملية 5 ملايين دولار.
ويكشف ندا أنه نقل البضائع بالقطارات، واحتاج لكي ينقل الحديد الصلب إلى 3300 عربة من عربات السكك الحديدية، انطلقت من هامبورغ في ألمانيا إلى كوتكا في فنلندا، ثم اتجهت شرقا بالقطار عبر روسيا إلى بحر القرم، وأخيرا وصلت إلى جولفا في إيران.
توطدت العلاقات بين النظام الإيراني وجماعة الإخوان بعد ذلك التاريخ، ومن قبله كانت مجرد علاقات ودية تقتصر على الزيارات التاريخية بين الطرفين، باعتبارهما يسعيان لهدف واحد وهو الخلافة الإسلامية، إيران تنفذها وفق ولاية الفقيه، والإخوان ينفذونها وفق مبدأ الحاكمية. فالإخوان ينظرون للثورة الإيرانية على أنها النموذج الملهم للثورات، وحكم الملالي من وجهة نظرهم هو النموذج الذي يجب أن يكون عليه الحكم الإسلامي بعد بناء ما يطلقون عليه المجتمع المسلم.
تعددت اللقاءات بين الإيرانيين وقيادات جماعة الإخوان تحت مسميات متعددة، كان أبرزها مسمى التقريب بين المذاهب، وعقدت اجتماعات ومؤتمرات تحت هذا المسمى في طهران، ومدن أوروبية منها لندن وإسطنبول، وحضرها مقربون من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وقيادات التنظيم الدولي للجماعة، و منها مؤتمر عقد في لندن خلال العام 2009، ومؤتمر في العام 2017 في لندن أيضا، وقبلها كانت هناك اتصالات ومشاورات مستمرة بين الطرفين للتنسيق حول بعض القضايا.
وفي العام 2006، خرج مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان وقتها بتصريح أكد فيه استعداده للدفع بنحو 10 آلاف مقاتل لمساعدة حزب الله في حربه ضد إسرائيل، ولاقى التصريح ارتياحا إيرانيا. وبعد انتهاء الحرب نقل حسن نصر الله الأمين العام للحزب عبر وسطاء إشادته وشكره لموقف الإخوان ومرشدهم العام، وقال عاكف في تصريح تليفزيوني له إنه سعيد بترحيب الجنوب اللبناني بتصريحاته.
تواصل التنسيق بين الإيرانيين والإخوان عقب أحداث ثورة يناير من العام 2011، وهنأ المرشد الإيراني علي خامنئي المصريين بالثورة، وتحدث بالعربية ليخبرهم أن بلاده تقف معهم للإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، وخلال فترة تولي الإخوان للحكم في مصر رصدت الأجهزة الأمنية عدة لقاءات بين عناصر وقادة الإخوان وقيادات إيرانية وقيادات من الحرس الثوري.
ويقول المصدر الأمني إن تقريرا أمنيا قُدم للنيابة المصرية في قضية التخابر مع حماس التي اتهم فيها قيادات الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي، رصد تواصل عناصر من جماعة الإخوان مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، كما رصد وتأكد من أن طاقما كبيرا في مكتب الرئيس المعزول قام بتسريب العديد من المعلومات للحرس الثوري وبعلم ومباركة الرئيس الراحل مرسي.
ورصدت الأجهزة الأمنية وفق تقاريرها سفر القيادي بجماعة الإخوان، خالد عبدالمعطي، لبيروت بناء على تكليف من عناصر حزب الله، والتقائه هناك بعناصر إيرانية.
ويضيف المصدر الأمني أن عناصر من الحرس الثوري الإيراني زارت مصر خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لتدريب عناصر من الإخوان على إنشاء ميليشيات مسلحة تابعة للجماعة على غرار الحرس الثوري، مؤكدا أن الرئيس المعزول طلب من الحكومة دخول 200 ألف سائح إيراني إلى مصر لتنشيط السياحة، ورفصت الأجهزة الأمنية المصرية ذلك.
وفي العام 2011 أيضا زار وفد إخواني يقوده كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، والذي كان يزعم خروجه من عباءة الجماعة وانشقاقه عنها إيران، وأدلى بتصريحات من هناك أثارت الرأي العام المصري، حيث سرد إنجازات حكومة الملالي، واصفا الخميني بأنه الأستاذ الذي يتعلم منه طلابه، وأنهم (أي جماعة الإخوان) تعلمت منه كما تعلموا من مؤسس جماعتهم.
ووصف الهلباوي خامنئي بـ”القائد الصابر”، متمنياً أن تكون إيران نموذجا يحتذى به في كل شيء، في العدل وفي جمع السنة والشيعة، وفي حقوق الإنسان.
وخلال عهد مرسي خرجت العلاقات بين إيران والإخوان للعلن، وزار مرسي إيران، ومن هناك دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لزيارة مصر، ولبى الأخير الدعوة، وزار الأزهر وأشار بعلامة النصر من هناك.
وفي 24 يناير من العام 2016، كشف المستشار عزت خميس، رئيس لجنة إدارة أموال الإخوان، خلال مؤتمر صحافي، أن إيران وبموافقة الجماعة حاولت التقارب مع مصر خلال عهد الإخوان عن طريق ضخ نحو 10 مليارات دولار كوديعة، وإمداد حكومة مرسي بالمواد البترولية، كما عثر على مستندات بمقر الجماعة في المقطم تفيد بإنشاء جهاز أمني إخواني تابع لرئاسة الجمهورية وبمساعدة إيرانية.
وفي يوليو من العام 2017، عقد لقاء في العاصمة البريطانية لندن ضم إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، وعددا من القيادات المقربة من مرشد الثورة الإيرانية على رأسهم محسن الآراكي، أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب.
كما عُقد لقاء آخر في أغسطس الماضي، ورغم نفي الجماعة لأن يكون هذا اللقاء بغية التنسيق مع إيران، إلا أن اللقاءات كانت تستهدف التنسيق والتشاور حول ملفات المنطقة، وتقديم دعم إخواني لإيران في العراق وسوريا واليمن، مقابل دعم إيراني للجماعة في حربها ضد النظام المصري.