ضيافة غانتس لرئيس السلطة الفلسطينية أطفأت لهيب تصريحاته في الجزائر
شبح انهيار السلطة يلاحق عباس ويدفعه لتعزيز التنسيق الأمني مع إسرائيل
قالت مصادر سياسية وإعلامية، إنه خلال لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، طلب الأول الموافقة على مساعدة أمنية جديدة تشمل معدات لفض المظاهرات، كي تتمكن الأجهزة الأمنية التابعة له من التعامل بصورة أفضل مع الوضع الحالي، وأن “اللقاء لم يتطرق البتة إلى القضايا السياسية، بل كان محوره منْع انهيار السلطة، وتقويتها أمنياً في مواجهة تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة وتنامي قوة المعارضة السياسية الفلسطينية.
تصعيد كلامي في الجزائر
وكان عباس قبل أقل من شهر، يطلق تصريحات خلال زيارته إلى الجزائر وتونس مفادها أنه لن يقبل بالاحتلال، لكن هذا التصعيد الكلامي اختفى بمجرد لقائه بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر ازدواجية شخصية لرئيس السلطة، متسائلين أيّ عباس نصدق ذاك الذي زار الجزائر وسعى للظهور بمظهر “المقاوم” أم الذي التقى غانتس ويتحمس لإعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وتساءلت أوساط سياسية فلسطينية ما الذي يجعل عباس يذهب إلى الجزائر منذ ثلاثة أسابيع ليوحي للجزائريين بأنه يقف إلى جانبه ضد الزيارة التي أداها وزير الجيش الإسرائيلي إلى المغرب، ثم يذهب إلى بيته الآن ويجتمع به ويسعى لاعتبار اللقاء مكسبا للفلسطينيين.
العودة إلى اللقاءات الثنائية
وقالت هذه الأوساط إن زيارات عباس إلى بعض دول شمال إفريقيا وإطلاقه تصريحات عن “رفض الاحتلال والاعتداءات وعمليات القتل والتهديم والتنكيل ومواصلة حصار قطاع غزة” ليسا سوى محاولة للفت نظر الإسرائيليين إليه، وإظهار رغبته في العودة إلى اللقاءات الثنائية دون أي شروط.
وأضافت أن رئيس السلطة لا تهمه أجندة الزيارة وهل ستناقش المواضيع السياسية أم تكتفي بالتنسيق الأمني بقدر اعتباره إياها مؤشرا على أن حكومة نفتالي بينيت قد أعادت وضعه في دائرة الضوء بعد أن أهملته الحكومة السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو وقطعت سبل التواصل معه مستفيدة من برود علاقته مع الإدارة الأميركية.
خسر أمام التيار الإصلاحي
وتوقع مراقبون أن يسعى عباس لتوظيف هذا الانفتاح الإسرائيلي الهامشي لاستعادة نفوذه المتراجع داخل السلطة الفلسطينية، وخاصة داخل فتح بعد أن خسر الكثير من تأثيره أمام الصعود القوي لرموز التيار الإصلاحي في حركة فتح.
كما أنه قد يغير سريعا من خطابه المهادن لحماس ومن ورائها قطر وتركيا اللتان سعتا لاستقطابه بعد القطيعة مع تل أبيب وواشنطن وبرود علاقاته مع دول عربية داعمة تاريخيا للسلطة الفلسطينية مثل مصر والسعودية.
وبينما حاولت السلطة الفلسطينية الإيحاء بأن اللقاء كان مهما، وأنه كان بمثابة “الفرصة الأخيرة قبل الانفجار”، إلا أن بيانا صادرا عن مكتب غانتس قال إن اللقاء بحث “تعزيز التنسيق الأمني ومنع الإرهاب”، وهو ما يعني أنه لم يكن له أي بعد سياسي كما يسعى عباس والمحيطون به للترويج له.
وقال حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية الأربعاء إن لقاء عباس مع غانتس في بيت الأخير قرب تل أبيب هو “تحدٍ كبير، والفرصة الأخيرة قبل الانفجار، والدخول في طريق مسدود”.
في المقابل خلا بيان مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي من أي إشارة تفيد بأن الاجتماع بحث قضايا سياسية، حيث قال إن اللقاء ناقش “مختلف القضايا الأمنية والمدنية”.
قبل الانفجار
ويقول أيمن يوسف المحاضر بالجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين إن كل المؤشرات “تؤكد أن فتح أفق سياسي ليس أمرا واردا في المدى القريب أو على أجندة الحكومة الإسرائيلية”، وأن أغلب الملفات التي يجري تداولها حاليا مع الجانب الفلسطيني بالضفة وغزة “ذات جوانب إنسانية واقتصادية، وهذا حتما سيكون على حساب الملف السياسي”.
بدوره يعلّق سعيد شاهين أستاذ الإعلام في جامعة الخليل على تصريحات حسين الشيخ بأن اللقاء مثّل “الفرصة الأخيرة قبل الانفجار”، بالقول إنه كلام “مكرر وسبق وسمعناه، وكان أشبه بالفقاعات”.
ولا يراهن الفلسطينيون على أيّ نتائج لحوار عباس مع إسرائيل بسبب الوضع الصعب داخليا وخارجيا الذي يعيشه الرئيس الفلسطيني ما يجعله في موقف ضعف ويدفعه للقبول بأي “مبادرة إسرائيلية” واعتبارها مكسبا.
رحيل عباس
وتطالب غالبية الفلسطينيين بتنحي عباس عن السلطة، وتريده أن يفتح الباب أمام إجراء الانتخابات لاختيار شخصية أكثر قوة وقدرة على التفاوض من قيادات فتح التي تم تهميشها أو تجميدها بسبب مواقفها الرافضة لأدائه السياسي وخاصة إصراره على البقاء في السلطة بالرغم من مرور فترة طويلة على نهاية رئاسته.
ووفقا لاستطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية المستقل يريد 74 في المئة من الفلسطينيين رحيل عباس عن السلطة.
وترى المحللة السياسية ديانا بطو أن غانتس وعباس “يحاولان التفكير في طرق يديران من خلالها النزاع بدلا من حله في محاولة لكسب الوقت وليس أبعد من ذلك”.
وعبرت بطو عن إحباطها بقولها “بعد 17 عاما من وجوده في السلطة يستخدم محمود عباس الأسلوب نفسه”، معتبرة أنه “أضعف نفسه على مدار تلك السنوات، ويريدنا أن نصفق له عندما يكون هناك انفراج اقتصادي”.
وتؤكد الحكومة الإسرائيلية أن مثل هذه الاجتماعات لا تعني إعادة إحياء عملية السلام، وأنها ترمي فقط إلى مناقشة سبل تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين ضمن ما بات يعرف باستراتيجية الاقتصاد مقابل السلام.
وضمن هذا المسار قالت وزارة الجيش الإسرائيلية إنها وافقت على جملة من الإجراءات “لتعزيز الثقة” من بينها تقديم دفعة مالية للسلطة الفلسطينية بقيمة 100 مليون شيكل (حوالي 32 مليون دولار)، من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح الفلسطينيين.