عالم تركي يتعرض للسجن بسبب دراسة استقصائية للصحة العامة!
“عمري 53 عاماً، أعيشُ في مدينة أنطاليا ولستُ عضواً في أي حزبٍ سياسي، لكنني واحدٌ من الأكاديميين الذين وقعوا على العريضة المعروفة بإعلان السلام في 11 كانون الثاني/ يناير 2016، حيث طالبنا من خلالها الحكومة التركية بالكف عن العنف وقمع الحقوق الديمقراطية للمواطنين الأكراد وإعادة بدء مفاوضات السلام معهم”.
هكذا عرّف الأكاديمي والعالم التركي المختص في مجال الأغذية، بولانت شيك عن نفسه.
وأضاف “منذ ذلك الحين ألغت الحكومة جوازات سفرنا ومنعتنا من السفرِ خارج البلاد بعدما طردتْ عدداً من الموقّعين على تلك العريضة من وظائفهم وكنتُ واحداً منهم”.
وتابع “لكن لم تبدأ قصتي هنا، فقد أجرت وزارة الصحة التركية بين الأعوام 2011 ـ 2015 دراسة استقصائية للصحة العامة في مقاطعات البلاد التي ينتشر فيها مرض السرطان وكان الهدف منها معرفة ما إذا كان هناك صلة بين انتشار هذا المرض والتلوث البيئي وكنتُ أحد العلماء المشاركين من جامعات مختلفة بالبلاد في هذا البحث الّذي تمّ إخفاء نتائجه لاحقاً من قبل الوزارة”.
إلى ذلك، أضاف “لقد شاركتُ في هذا المشروع من خلال الأبحاث المتعلقة بالأغذية والمياه وأثناء تلك الفترة تمّ تحليل آلاف عينات الغذاء والمياه في مناطق البحث في مركز سلامة الأغذية والبحوث الزراعية بجامعة أكدنيز. وأنهينا هذا العمل بحلول نهاية عام 2015 وكان من المقرر الإعلان عن نتائجه عام 2016، لكن مع ذلك بقيت تلك النتائج مخفية عن الجمهور، لذلك قررت إتاحتها لهم ورفضت إخفاءها”.
كما قال “لم أوافق على إخفاء وزارة الصحة لنتائج تلك الدراسة، وبعد ذلك نشرتُ بعض تلك الأبحاث في سلسلة من المقالات في جريدة جمهورييت في نيسان/إبريل 2018. ولكن الوزارة رفعت شكوى بحقي واتهمتني بالكشف عن معلومات سرّية ومحظورة وفق المادة 258 من قانون العقوبات التركي وحُكِم عليّ قبل أيام بالسجن لمدّة سنة وثلاثة أشهر”.
وأشار إلى أنه يستعد حالياً للطعن والاستئناف بالحكم الصادر ضده مؤخراً”، قائلاً “لا أعتقد أنني خلال هذا الوقت سأهرب من البلاد”.
كما كشف الأكاديمي والعالم التركي أن “المقالات التي نشرتُها في جمهورييت تشير بوضوح إلى أنه في بعض المناطق، كانت المياه تحتوي على معادن ثقيلة كالرصاص والزرنيخ والألمنيوم مع مستويات عالية من بقايا المبيدات في الأطعمة المختلفة، الأمر الّذي قد يُسبب مشاكل لصحة الإنسان”.
ولفت إلى أن “تلك المقالات كانت تفيد أيضاً بأن المياه في كوجالي وإدرنة وكيركلاريلي وتيكيرداغ، وهي مناطق تصنيع مكثفة في بلدنا، تتعرضُ لتلوثٍ كيميائي واسع النطاق”. وأوضح “من المُحتمل أن يكون هذا التلوث ناجم عن نفايات المنشآت الصناعية العاملة في المنطقة، لذلك من حق الجمهور معرفة هذه المعلومات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحياته”.
يذكر أن الأكاديمي والعالم التركي المختص في مجال الأغذية، كان يعمل محاضراً في جامعة “أكدنيز” منذ العام 2009 قبل أن يُطرد من وظيفته تلك في 22 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2016 بعد توقيعه على عريضة “السلام” والتي طالب من خلالها مع أكثر من ألف أكاديمي آخر في البلاد، الحكومة، بوقف إطلاق النار في المدن ذات الغالبية الكردية جنوب شرقي تركيا أوائل العام ذاته.
وهو من الّذين ساهموا في تأسيس “مركز سلامة الأغذية والبحوث الزراعية” داخل الجامعة الّتي كان يُحاضر فيها، إذ كان يشغل فيه منصب نائب مديره بين الأعوام 2010 ـ 2016.
وانتقدت منظمة “العفو” الدولية قبل أيام الحكم الصادر بالسجن 15 شهراً بحق العالم التركي الّذي سيبقى حراً في انتظار استئنافه. وشددت في بيانٍ صادرٍ عنها على أن “شيك، لجأ إلى نشرِ مقالاتٍ عن نتائج أبحاثه عندما أدرك أن الحكومة لم تتخذ إجراءات لمعالجة مشكلة التلوث في بعض مناطق البلاد”.
وقال الباحث إندرو غاردنر إن “محاكمة شيك منذ البداية هي مهزلة للعدالة والحكم الصادر ضده مؤسف للغاية”. وأضاف “كان لابد من مناصرة قضيته ومتابعة الملف البيئي المهم للصحة العامة الّذي عمِلَ على نشره”، مشيراً إلى أن “محاكمته تمت بطريقة غير ملائمة وغير عادلة “. وتابع “علينا متابعة هذه القضية عن كثب في الفترة المقبلة، ولو سُجِنَ شيك مستقبلاً، سنعتبرهُ سجين الضمير الحيّ”.