عباس ينقلب على الإجماع الفلسطيني ويعود لمسارت الوهم
فجأة عاد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى مسارات الوهم واللقاءات المباشرة مع إسرائيل، كما قرر أن يعيد السفيرين الفلسطينيين إلى أبوظبي والمنامة، الإنقلاب السريع في مواقف رئيس السلطة جاء دون أن يطرأ أي تغيير على موقف إسرائيل أو الإمارات، فقد اكتفت السلطة برسالة بائسة وصلتها من كميل أبو ركن، منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وهو بمثابة ضابط ارتباط وأقل من مستوى وزير.
واعتبر رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، الذي تسلّم تلك الرسالة، ذلك بمثابة “انتصار بامتياز لثبات وصمود وكبرياء رئيس هذا الشعب الرئيس محمود عباس الذي كاد يكون وحيدا في هذه المعركة”.
وعقد، الخميس، أول اجتماع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد استئناف العلاقات بينهما بمبادرة من الفلسطينيين.
ويرى مراقبون إن عباس بدا كمن يسترضي نفسه بنفسه بعد أن فشل في جلب الأنظار إلى موقفه في ظل التطورات المتسارعة التي شهدها مسار السلام. كما أن رئيس السلطة لم يكن قادرا على تحمل قرار وقف التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل وعدم استلام أموال عائدات الضرائب الفلسطينية التي تشكل نحو ثلثي موازنة السلطة الفلسطينية ما سبب عجزا كبيرا لها.
يقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي، أن هذا التطور يثير عدة مسائل منها:
أولا، أن القيادة، بقرارها عودة العلاقة مع إسرائيل إلى سابق عهدها، ضربت عرض الحائط بقرارات دورات المجلس المركزي (منذ دورته المنعقدة في العام 2015)، والمجلس الوطني (في دورته الـ23 لعام 2018)، المتعلقة بمراجعة الاعتراف بإسرائيل، والتحلّل من الاتفاقات الموقعة معها، بما في ذلك التنسيق الأمني، في دلالة على المزيد من التخبط والتفرد في القرارات والخيارات، وضمن ذلك المزيد من تهميش ما تبقى من الإطارات الشرعية الفلسطينية.
ثانيا، إن هذا التحول يعني بداهة القطع مع كل ما تم ترويجه عن مساعي المصالحة، واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، كأن ما جرى كان مجرد مسرحية، وتوزيع أدوار، ما يفسر هشاشة الاجتماعات واللقاءات بين قيادات من حركتي فتح وحماس، وكل الفصائل الفلسطينية، (التي عقدت، منذ يوليو الماضي)، في الداخل أو في بيروت (3 سبتمبر) أو في إسطنبول (أواخر سبتمبر)، كما يفسر ذلك عدم الجدية في تشكيل ما سمّي “القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية”، التي دعت إلى مظاهرات (يوم 15 سبتمبر) لم يستجب لها أحد، ولا حتى الداعين لها.
ثالثا، إن ما جرى يؤكد مجددا أن السلطة الفلسطينية مرتهنة للشروط السياسية التي أنشئت عليها منذ البداية، وضمن ذلك يأتي ارتهانها لمصادر التمويل الخارجي، بمعنى أنه تمت هندستها من الأساس على هذا النحو الذي لا تستطيع فيه شيئا من دون الاعتماد على إسرائيل ولا على الرعاية السياسية والمالية من الخارج.
ويضيف كيالي، إن القيادة الفلسطينية، وبدلا من أن تصارح شعبها بحقيقة وضعها، وبدلا من البحث عن خيارات أخرى، ضمنها إعادة بناء البيت الفلسطيني، وبناء إجماعات وطنية جديدة، فضلت الذهاب نحو إعادة ترويج الأوهام حول اتفاقات التسوية مع إسرائيل، وحول الرعاية الأميركية لتلك العملية، ما يستنتج منه بداهة أن همّها الأساسي هو الحفاظ على واقعها كسلطة، ولو تحت سلطة الاحتلال.
وتابع، هذا التطور، وإن لم يكن جديدا، يفترض أن يعزز إدراك الفلسطينيين، في كافة أماكن وجودهم، إلى الآتي: أنهم باتوا إزاء سلطة في الضفة وغزة، وليسوا إزاء حركة تحرر وطني، فهكذا تنظر السلطتان، في الضفة وغزة، كل واحدة منهما إلى ذاتها وإلى الأخرى، وهكذا تتعاملان مع الشعب الفلسطيني.
وعن حالة النظام السياسي، قال كيالي: إنهم أضحوا إزاء كيانات مترهلة ومتكلسة ومفوتة، وإزاء طبقة سياسية فقدت أهليتها الكفاحية، ولم يعد لديها ما تضيفه على هذا الصعيد، ما يعني أن تلك الكيانات، كما تلك الطبقة، لا تستطيع حمل أي مهمات وطنية مهما كان مستواها وأن تلك القيادة تستغل حالة الشعب الفلسطيني الصعبة، بحكم تمزقه وتشتته، لفرض خياراتها عليه من دون أن تبالي شيئا، كما أثبتت التجربة.
وكان عباس قد أعلن في التاسع عشر من مايو الماضي أن السلطة الفلسطينية أصبحت “في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية”، بما في ذلك اتفاقات التنسيق الأمني، معتبرا أن ضم إسرائيل أراضي في الضفة الغربية يقوّض فرص التوصل إلى السلام.
وقال وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ إنه “على ضوء الاتصالات التي قام بها الرئيس عباس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة معنا، واستنادا إلى ما وردنا من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك، وعليه سيعود مسار العلاقة مع إسرائيل كما كان”.
وتهدف تصريحات الوزير إلى تبرير العودة المفاجئة للرئيس عباس الذي ركب خلال الأسابيع الأخيرة موجة التشهير الإخونجية الموجهة من النظامين التركي والقطر ضد مسار السلام الجديد، وضد دول الخليج، لكن عاد بعد أن اكتشف أن الوعود التركية القطرية غير قابلة للتنفيذ، وأن التنسيق مع حماس واستعادة شعارات قديمة لم يجلبا إليه الأنظار إقليميا ودوليا، فاضطر إلى العودة.
ويرى المراقبون أن عودة التنسيق كانت متوقعة على نحو بعيد، فالسلطة الفلسطينية تعاني أزمة خانقة، وهي لا تستطيع الذهاب بعيدا في تصعيدها كونها الأكثر تضررا به.
وقررت إسرائيل في سبتمبر الماضي خصم 11.3 مليون دولار من عائدات الضرائب (المقاصة)، في إجراء عقابي على تخصيص السلطة الفلسطينية مستحقات للمعتقلين وعائلات الشهداء.
ويسعى الرئيس الفلسطيني إلى استثمار نتائج الانتخابات الأميركية وخسارة دونالد ترامب لإظهار أن عودته مرتبطة بسقوط مشاريع الرئيس الأميركي، خاصة ما تعلق بوضع القدس وصفقة القرن. كما يراهن على أن الرئيس الجديد جو بايدن يمكن أن يعيد تلك المبادرات إلى نقطة الصفر.
لكن المراقبين يؤكدون أن رهان الرئيس الفلسطيني على بايدن في غير محله؛ فمشاريع السلام الجديد، فلسطينيا وعربيا، لن تتأثر بذهاب ترامب وقدوم بايدن مثلما هو الأمر بالنسبة إلى حاجة الفلسطينيين إلى قيادة تتماشى مع هذه التطورات وتجعلهم مستفيدين منها.
الأوبزرفر العربي