علينا الاستعداد لمواجهة مفاهيم ليز تراس الاقتصادية
شون أوغرايدي
قيل كثير جداً عما ستكون عليه سياسة ليز تراس الاقتصادية.
من الواضح أنها لا تشاركنا التفاصيل كلها (على الأقل ليس الآن)، لكن أحد أسس هذه السياسة يتمثل في الاعتقاد بأن خفض الضرائب على الجميع (إبطال الزيادة المقررة للإسهامات في التأمين الوطني) سيمول نفسه بنفسه [من تلقاء ذاته] لأنه سيطلق العنان لموجة من المشاريع فترتفع بالتالي العوائد الضريبية. وهي تعارض “المساعدات [الحكومية]”، بتعبير آخر دعم موجه بشكل أكبر للفقراء في فواتير الطاقة، وهي تعارض فرض ضريبة على الأرباح المفاجئة التي حققتها الشركات الكبرى المنتجة للطاقة.
إن سياستها الاقتصادية في جوهرها بمثابة دفعة مالية عامة ضخمة للاقتصاد في وقت يتسم بنقص في العمالة وارتفاع سريع في معدل التضخم، والهدف هو درء التضخم (غير الحتمي) على حد تعبيرها. وهناك بعض الجوانب الأقل أهمية، مثل خفض ضريبة القيمة المضافة على الوقود وتعليق العمل بالضريبة الخضراء (مبلغ تافه)، لكن هذا كل شيء، سعي إلى النمو بخفض غير ممول للضرائب وببعض الزيادات المحددة في الإنفاق العام، مثل الإنفاق على الدفاع.
لاقت “الاقتصاديات التراسية” [نسبة إلى ليز تراس] هذه كلها صدى إيجابياً جداً مع أعضاء حزب المحافظين الذين كانت تراس تحتاج إلى أصواتهم، لكنها بدت صادقة في إيمانها المتزمت بمنحنى لافر Laffer (العلاقة بين معدلات الضرائب ومستويات العوائد الضريبية الناجمة عنها)، وحكمة [أستاذ الاقتصاديات الكلية] باتريك مينفورد (الذي أضاف في شكل غير مفيد لتراس أن سياستها قد تعني زيادة معدلات الفائدة لتصل إلى سبعة في المئة) والعقيدة المستمرة لكعكية [سلفها بوريس] جونسون [طلب المستحيل مثل الحفاظ على الكعكة وأكلها في الوقت نفسه]، لكنها تعرضت إلى السخرية بسبب هذه السياسة، سخر منافسها الخاسر وزير المالية السابق ورجل الخزانة ريشي سوناك، من السياسة بوصفها اقتصاديات “خيالية”، ووصفها [النائب والوزير السابق] مايكل غوف بأنها “رحلة بعيدة من الواقع”، وأشار تشارلز بين، نائب محافظ بنك إنجلترا السابق الذي يحظى بقدر كبير من الاحترام، إلى أن إصلاحات تستهدف “جانب العرض” لتعزيز النمو تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يصب أثرها في الاقتصاد.
كانت هيئات مثل معهد دراسات المالية العامة البريطاني Institute for Fiscal Studies (IFS) قد حذرت في ذلك الوقت من أن خطة تراس من شأنها أن تؤدي إلى إحداث فجوة ضخمة في الموارد المالية العامة، وعند طرح الفكرة القائلة بأن تراس قد تحسم من ضريبة القيمة المضافة خمسة أو 10 في المئة، لا بد من أن خبراء المعهد أصيبوا بإغماء، وراجعت مصارف القلب التجاري للندن توقعاتها في شأن معدل التضخم فرفعتها وأضعفت قيمة الجنيه الاسترليني مع تحول العالم إلى الملاذ الآمن المتمثل في الدولار الأميركي، وفضلاً عن ذلك دارت أحاديث عن حرب تجارية مع أوروبا و”الصديق أو العدو” [الرئيس الفرنسي] إيمانويل ماكرون، ويتولد لدى المرء شعور بأن تراس ليست متهورة وعنيدة فحسب، بل منيعة أيضاً أمام المنطق.
على هذا لا تفهم تراس الاقتصاديات (على الأقل وفق ما سبق)، على الرغم من حملها درجة من جامعة أوكسفورد في الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وعلى الرغم من كفاءتها التي طورتها جيداً في الرياضيات، هل يهم ذلك؟ هل محكوم علينا أن ترتفع الأسعار بنسبة 25 في المئة سنوياً أو أكثر، في أعلى معدل للتضخم منذ عام 1975؟ أو منذ نهاية الحرب العالمية الأولى؟ أو ذروة الحروب النابليونية؟ أو على الإطلاق؟ مع تخلف معدل زيادة الأجور تخلفاً كبيراً جداً؟
ما يحدث عادة حين يتقدم رئيس للوزراء ببرنامج مجنون على غرار “خطة تراس” (أعترف بأن هذه العبارة وصف يبالغ في تبجيل عمل تخميني ومجموعة من الآمال العمياء)، أن وزارة المالية وبنك إنجلترا [المصرف المركزي] وصندوق النقد الدولي والمؤسسات البحثية ومصارف القلب التجاري للندن و”المجموعة” الاقتصادية تنتقد البرنامج وتعدله وتخفف من سلبياته وتعطيه عموماً شكلاً مقبولاً، وكذلك كانت الحال مع اللجان النيابية والوزراء الزملاء، لا سيما إذا لاح في الأفق تهديد بوقوع ضرر سياسي. لكن في عالم تراس يقل احتمال حصول ذلك للأسباب الثلاثة التالية.
الأول أن تراس مصممة ولن تصغي إلى أحد، وسواء كانت تراس “ليزي الغبية”، كما أشار بعض الساخرين على “تويتر”، أو كانت ذكية بقدر ما يوحي سجلها الأكاديمي (ربما لم تخذلها مدرستها في ليدز التي كثيراً ما تتعرض إلى انتقاد بالقدر نفسه من السوء كما تزعم)، لا جدوى إذا لم تتمكن من استيعاب الحجج أو تعديل سياساتها، وهاتان سمتان كانت مارغريت تاتشر تتمتع بهما، على الأقل في مرحلتها المبكرة في السلطة التي كانت أكثر نجاحاً وأقل إمبريالية.
ثانياً، تريد تراس أن تضعف من قوة تلك المؤسسات التي من المرجح أن تحاول المقاومة، وستتحول رئاسة الوزراء (لا تضحكوا) إلى “مركز عصبي اقتصادي”، ولا شك في ذلك مع مد أمثال مينفورد و[النائب المحافظ] جون ريدوود لهذا الدماغ بتغذية تاتشرية، يكشف أحد الحلفاء ما يلي، “إن ليز مفكرة جدية على صعيد السياسات الاقتصادية، وسترى الاتجاه والفلسفة الاقتصاديين الواضحين الواجب على الحكومة اتباعهما. لا يعني هذا أن ليز تريد تحييد سلطة أي وزير للمالية (موقفها بعيد من ذلك)، لكنها تريد لرئاسة الوزراء أن تصبح المركز العصبي الاقتصادي، وأن تعمل في شكل وثيق مع وزير المالية ومع خزانته”.
وهكذا، يقال إن تراس تخلت عن فكرة [مستشار جونسون السابق] دومينيك كامينغز في شأن تحويل وزارة المالية إلى إدارة تابعة لرئاسة الوزراء، كذلك أجلت في الوقت الحالي فكرة تقسيم الوزارة إلى وزارة للنمو الاقتصادي تحت سيطرتها ووزارة أخرى ضيقة التركيز تعمل في مجال المالية العامة، هذا هو الوضع تقريباً في ألمانيا، وتدور الفكرة في الإدارة العامة البريطانية منذ ستينيات القرن العشرين، عندما حاولت حكومة [رئيس الوزراء آنذاك هارولد] ويلسون ترويض وزارة المالية من طريق وزارة الشؤون الاقتصادية التي لم تعمر طويلاً وفشلت في ذلك، وحاول [نائب رئيس الوزراء السابق] مايكل هيزلتاين الأمر نفسه في التسعينيات، وخسر المعركة على نحو مماثل.
لكن خلافاً لألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب، تريد تراس وضع بنك إنجلترا تحت السيطرة و”مراجعة” صلاحيته، وكان محافظ المصرف المركزي أندرو بايلي بمثابة كبش فداء مفيد على صعيد الطفرة الأخيرة في التضخم، التي تعود في الواقع إلى بريكست والكرملين [الحرب على أوكرانيا] أكثر منها إلى قرارات المصرف المركزي، ويقال إنه سعيد بمراجعة دور المصرف، لكن بطبيعة الحال ليس لديه خيار حقيقي في هذا الشأن، فالاستقلال التشغيلي الذي منحه إلى المصرف [رئيس الوزراء السابق] توني بلير و[وزير ماليته] غوردون براون عام 1998، في ظل معدل التضخم المنخفض والمستقر منذ تكليف المصرف بمعالجته [عام 1992]، سيتآكل إلى حد خطير وسيعاد العمل بالسيطرة السياسية، ومن المقرر أن تتناسب معدلات الفائدة مع السعي إلى النمو وانطلاق الدورة الانتخابية، (وهذا بالطبع يسهله أيضاً إلغاء قانون البرلمانات المحددة الولايات، الذي أعاد إلى رئيس الوزراء السلطة التقديرية المطلقة في شأن تحديد موعد الانتخابات المقبلة. فتراس كأي شخص مغرضة وميالة إلى هندسة ازدهار قبل الانتخابات من خلال خفض الضرائب وخفض معدلات الفائدة على الرهون العقارية، وقد يكون ذلك حقاً في ذهنها).
وأخيراً، لدينا مستشارها الجديد كواسي كوارتنغ، هو رجل ذكي للغاية، ومؤرخ جيد، وقبل بضع سنوات كتب كتاباً جيداً إلى حد ما يدعى “تجربة تاتشر”، وفيه يؤرخ للنضالات الاقتصادية والسياسية المهمة التي دامت لسنتين بعد وصول تاتشر إلى السلطة عام 1979. كان ذلك الوقت وقتاً للتجربة، كما يقول، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم ومعدلات الفائدة، فقد اندلعت اضطرابات قطاعية وتصاعدت معدلات البطالة، وبرزت مقاومة ضخمة لسياسات تاتشر (تخفيضات ضريبية مباشرة وإصلاحات لجانب العرض) من قبل “المجموعة الاقتصادية”، وقاومت مؤسسات الحكم (إستابلشمنت) ذلك بمرارة، من محافظ بنك إنجلترا آنذاك إلى مجلس الاتحادات المهنية إلى اتحاد الصناعة البريطاني، ومن التطورات الشهيرة كتب 364 من أبرز خبراء الاقتصاد لـ”التايمز” مشيرين إلى حماقة نهج تاتشر، وحاول من وصفتهم بأنهم “ضعفاء” من أعضاء مجلس الوزراء أن يرصوا الصفوف في مواجهتها، لكن على الرغم من أنها غيرت اتجاهها من وقت إلى آخر، فقد تماسكت، وصمدت بسبب الدعم المستمر من وزير ماليتها وزميلها المقرب منها آنذاك جيفري هاو.
يتعين على المرء أن يتساءل عما إذا كان إعجاب كوارتنغ الواضح بتاتشر وهاو قاده إلى افتراض مفاده بأن تراس وهو هما معادلاهما المعاصران، وإذا كان الأمر كذلك، فقد استخلص الدرس الخطأ تماماً من صدمات ما بين عامي 1979 و1981. صحيح أن ضريبة الدخل شهدت تخفيضات كبيرة، لكن ذلك قوبل برفع ضريبة القيمة المضافة إلى الضعف تقريباً، ودفعت معدلات الفائدة إلى مستوى مرتفع بلغ 17 في المئة من أجل تخليص النظام من التضخم، واستقبل الركود الناتج من ذلك بقدر من رباطة الجأش، كان الشعار، “لا يوجد بديل”.
إننا إذاً على وشك الحصول على النقيض التام للتاتشرية، فقاعة تضخمية نحاول العيش فيها بما يفوق إمكاناتنا، لكنها تنفذ بإصرار تاتشري.
وستتزين ثورة تراس بهذا النوع من التفاؤل العجيب الذي تظهره تراس الآن، والذي استخدمته تاتشر في زمنها، وبوسعنا أن نتخيل تراس تهين [زعيم حزب العمال] كير ستارمر بجمل أطلقتها تاتشر خلال التجمعات الانتخابية عام 1983، “حيث يتشاءم حزب العمال، يملأنا الأمل، حيث يشعرون بالمرارة، نصمم على النجاح، حيث يخشون من المستقبل، نواجه التحدي والإثارة والمغامرة”. كانت تاتشر تعشق اقتباس فقرات مبهجة من [الشاعر روديارد] كيبلينغ، لا علاقة لها بالاقتصاد، لكن علاقتها قوية بالمزاج، ولن أندهش إذا بدأت تراس قريباً بإطلاق شعر إمبريالي.