غزو تركي في ليبيا وغموض جزائري!
عبّر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الأربعاء، عن انشغال بلاده الكبير بالتطورات الأمنية والسياسية في ليبيا، في رسالة له بمناسبة يوم أفريقيا، ليكون بذلك أول موقف رسمي للجزائر منذ اشتداد المعارك الميدانية بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والميليشيات المتحالفة مع حكومة السراج المدعومة من طرف النظام التركي.
وتبدي الجزائر مخاوف حقيقية من انتشار السلاح في ليبيا، والاستحواذ عليه من طرف جماعات إرهابية، تعمل على استغلال الوضع الأمني المتدهور لتوسيع نشاطها في المنطقة، ولا يُستبعد أن تتحول هذه الجماعات إلى مصدر تهديد حقيقي لاستقرارها الداخلي، وهو الهاجس الذي دفعها خلال السنوات الأخيرة إلى رفع درجة يقظتها العسكرية وإعادة نشر وحدات الجيش على الشريط الحدودي.
واعتبر بوقادوم، في الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن الوضع الأمني المتوتر الناجم عن زيادة التدخل العسكري التركي “لم يؤجج سعير الحرب الأهلية فحسب، بل ساهم في تسليح المجموعات الإرهابية التي أضحت تهدد أمن المنطقة، وتعرقل مسار التسوية السياسية لهذه الأزمة”، وذلك في إشارة إلى تدهور الأوضاع الأمنية مؤخرا في ليبيا وتدفق السلاح إليها ليقع في أيدي مختلف المجموعات الإرهابية والميليشيات المسلحة.
ورغم الموقف السياسي الذي يوصف بـ”الغامض” تجاه الأطراف الداخلية المتحاربة في ليبيا، والجهات الخارجية الداعمة لها، إلا أن الجزائر لم تخف امتعاضها من دخول عناصر إرهابية إلى ليبيا قادمة من سوريا بتنظيم وإشراف تركِيَّيْن.
وتركز قيادة الجيش الجزائري على رفع درجة اليقظة الأمنية والعسكرية في الشريط الحدودي الشرقي والجنوبي، تحسبا لأي انزلاق أمني على الحدود، وتنامي نشاط الجماعات الإرهابية الناشطة على التراب الليبي وفي شريط الساحل الصحراوي.
وينفذ الجيش الجزائري بشكل دوري مناورات ميدانية بالذخيرة الحية، بإشراف مباشر من القيادات العليا في المؤسسة العسكرية، في إطار الاختبارات المتكررة للجاهزية الميدانية واليقظة العالية، تحسبا لأي اختراق أمني أو عسكري من الجانب المقابل، ولاسيما أن التضاريس الجغرافية تتطلب مسحا مستمرا لأي حركة مشبوهة على الأرض.
لكن مراقبين قالوا إن السلطات الجزائرية ترسل إشارات متناقضة بشأن الوضع في ليبيا، فهي لا تخفي انزعاجها من تسليح المجموعات الإرهابية، وهي مهمة يتولاها النظام التركي، فيما تحتفظ الجزائر بعلاقات متينة مع أنقرة، وتفتح بابا لتواصل شبه دائم بين الرئيس عبدالمجيد تبون ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان.
وشكلت التطورات الميدانية في ليبيا محور المحادثة الهاتفية التي جرت الثلاثاء بين تبون وأردوغان، ولم تتسرب عن مضمونها إلا دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار، وهو ما يضفي المزيد من الغموض بشأن موقف الجزائر من التدخل التركي في ليبيا، خاصة أنه يخلق مناخا أمنيا متوترا على حدودها، ويغذي أنشطة الجماعات التي تنفذ حاليا عمليات محدودة ومعزولة على أراضيها.
وبات رئيس النظام التركي يتصل بشكل دوري بالرئيس الجزائري والرئيس التونسي قيس سعيد في مسعى من أنقرة للإيحاء بأن الغزو التركي في ليبيا يلقى تفهم دول الجوار إن لم يكن دعمها، وأن تصريحات مسؤولي البلدين بشأن وقف المعارك و”ضرورة الحل السياسي” في ليبيا تصبح غير ذات مصداقية طالما أنهم لا يعبرون عن ذلك بشكل قاطع للرئيس التركي ويبادرون إلى إعلان معارضتهم للتدخل الخارجي.
ويعزو مراقبون سياسيون غموض الموقف الرسمي الجزائري مما يجري في ليبيا إلى الدعوة التي وجهها الكرملين إلى الرئيس تبون لزيارة موسكو في سياق إستراتيجية كسب الداعمين للدور الروسي في ليبيا.
لكن الجزائريين ينظرون إلى التواصل مع أنقرة وموسكو على أنه بوابة يمكن أن تمهد أمامهم لعب دور “الوسيط المحايد” بين فرقاء الأزمة الليبية، بالرغم من أن الحل الليبي – الليبي لم يعد واردا، وأن طرحه قد يبدو صيغة ذكية من الجزائر وتونس للتهرب من تحديد موقف واضح مما يجري على حدودهما وإغضاب تركيا، وهما تعرفان أن الحل بات بيد القوى المتداخلة التي بإمكانها وضع حل يراعي المصالح المتناقضة أو السماح باستمرار الفوضى والعنف في ليبيا.
وأكد وزير الخارجية الجزائري استعداد بلاده لاحتضان جلسات حوار بين الفرقاء الليبيين للخروج من الأزمة الراهنة، في إطار المبادرة التي أطلقتها منذ عدة أشهر بغرض “إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية وبين الليبيين وحدهم فقط”.
وشدد بوقادوم، في رسالته على أن “الجزائر تجدد استعدادها لاحتضان الحوار الليبي، وتأكيدها على الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه دول الجوار والاتحاد الأفريقي في المسار الأممي لتسوية الأزمة الليبية”، لافتا إلى أن بلاده ستبذل “قصارى جهدها من أجل لم شمل الفرقاء وتقريب وجهات نظرهم”.
الأوبزرفر العربي