في ذكرى النكبة.. الميناء الأميركي وخطر التهجير.. عود على بدء
جمال زقوت
وفرت موافقة حركة حماس على ورقة الوسطاء لهدنة مستدامة والمبادئ الأساسية لصفقة تبادل الأسرى أملاً لشعبنا في القطاع بقرب إمكانية أن تضع الحرب أوزارها، لا سيما بعد حصول المقاومة على ضمانات من الوسطاء، بما في ذلك الأمريكي، بأن الوقف المستدام لإطلاق النار سيؤدي بعد نهاية مرحلته الثالثة إلى وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة. إلا أن نتانياهو، الذي راهن على رفض حماس لهذا الاتفاق، استعجل في تخريبه، دون اكتراث لدعوات أهالي المحتجزين والأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ومعهم ما يزيد على 60% من المجتمع الإسرائيلي، الذين يطالبون بوقف الحرب وقبول الصفقة، حيث قام بتنفيذ وعوده لبن غفير باحتلال الأحياء الشرقية من مدينة رفح ومعبرها الذي يشكل الشريان الوحيد لقطاع غزة مع مصر والعالم الخارجي، غير مكترث بالموقف المصري والدولي، فقام بترحيل مئات الآلاف من النازحين في رفح، تمهيدًا فيما يبدو لعملية برية طويلة ومتدحرجة لاحتلالها بالكامل، بل، وعاد لتوسيع عملياته العسكرية في شمال القطاع سيما مخيم جباليا وأحياء واسعة من مدينة غزة، التي تدور فيها معارك ضارية تعيد مشاهد الحرب في أيامها الأولى.
بدء عملية رفح وتخريب الصفقة
احتلال معبر رفح، وتوقف تدفق المساعدات الإغاثية منه، والمضي بالعملية العسكرية في المدينة التي تأوي أكثر من مليون ونصف مليون نازح يُجبرون مرة ثانية وثالثة ورابعة على النزوح، والأمر ذاته لسكان الشمال تجاه مواصي خانيونس وشاطئ دير البلح، والإعلان في نفس اليوم عن موعد محدد لتشغيل ميناء غزة، يعيد للأذهان مرة أخرى السؤال الذي شكل الهدف المركزي وإن كان غير معلن لحرب الإبادة بالعودة لمخططات التهجير عبر هذا الميناء، بعد أن كاد هذا الخطر يتبدد.
لم يكن لنتنياهو أن يتجرأ على تخريب الاتفاق، وبدء معركة رفح بصورة محدودة حتى الآن، لولا الموافقة الأميركية على ذلك. فالبيت الأبيض الذي لم يغادر موقفه المساند بل والشريك في هذه الحرب، ما زال يمارس سياسة الدعم المطلق لهذه الحرب، وإن كان يناور لفظيًّا في حرصه على وقفها، وتجنيب المدنيين من ويلاتها، في وقت أن إسرائيل لم تتوقف لحظة عن استهداف المدنيين والمنشآت المدنية الحيوية، بما في ذلك في مدينة رفح ذاتها. فاللعبة الأمريكية لم تتجاوز محاولة احتواء انتفاضة الرأي العام الدولي وتمرد الجامعات الأمريكية على سياسة بايدن تجاه حرب الإبادة المستعرة ضد المدنيين العزل .
نتنياهو الغارق في جرائم حرب الإبادة يحاول تحدي الإرادة الشعبية الدولية وأقسام واسعة من المجتمع الاسرائيلي، ولكنه يتوسل إدارة بايدن والكونغرس لنجدته من احتمال صدور قرارات اعتقال بحقه وعدد من المسؤولين الإسرائيليين في سابقة هي الأولى منذ نشأة إسرائيل، الأمر الذي يؤكد مدى عزلتها على الأقل في معركة الرأي العام. وكما بات واضحًا فإن نتانياهو يواصل هذه الحرب غير مكترث بوقفها وإعادة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، لأنه يدرك تمامًا أن ذلك سيؤدي به إلى محكمة الفشل والفساد إن لم يجلب إلى العدالة الدولية .
تخبط نتنياهو واستراتيجيته للبقاء
كما حاول نتنياهو الهروب من وحل غزة بدفع حرب الإبادة عليها إلى حرب إقليمية، في محاولة لجر الولايات المتحدة لحرب مباشرة مع إيران ليقدمها كإنجاز كبير للمجتمع والرأي العام الإسرائيلي بهدف الخلاص من الملاحقات القانونية، فإنه لن يتورع عن ارتكاب حماقات كبرى ويفرضها كأمر واقع على حليفه في البيت الأبيض، والذي دأب على بلع لسانه، وتغيير مواقفه المعلنة، باستثناء الموقف الداعم والضامن الاستراتيجي لأمن وتفوق إسرائيل، رغم عدم انصياع الأخيرة لأي من الطلبات الأمريكية، وآخرها اجتياح رفح الذي لا ترفضه واشنطن من حيث المبدأ.
واشنطن التي قدمت ضمانات لتنفيذ الصفقة، بما في ذلك ضمان وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من القطاع، عادت وعلى لسان بايدن نفسه، وألقت بكرة إفشال إسرائيل للاتفاق مرة أخرى إلى ملعب حماس، الأمر الذي يؤكد مقولة الشراكة الأميركية في الحرب، وليس مجرد انحيازها لإسرائيل، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك إزاء مجمل المواقف الأميركية، بما في ذلك موقفها المعلن الرافض لفظيًّا لإعادة احتلال أجزاء من القطاع، ورفض تهجير سكانه، وكذلك تراجعها عن ضرورة وجود سلطة واحدة تمثل الجميع تكون مسؤولة عن إدارة وحكم القطاع والضفة، وذلك استجابة وخضوعًا لاستراتيجية نتنياهو في الاستمرار بفصل قطاع غزة عن الكيانية الوطنية، وما يتطلبه ذلك من إعادة بناء المؤسسات الوطنية الجامعة على صعيد المنظمة وحكومة السلطة، الأمر الذي أدارت القيادة المتنفذة أيضًا ظهرها له بتشكيل حكومة غير توافقية لم تُقدِّم أي أمل لأهل القطاع بقرب وضع حد لكارثتهم الإنسانية.
خطر العودة للتهجير الجماعي عبر الميناء
إن هذه السياسة تظهر مجددًا خطر عودة مخططات حكومة الفاشية بزعامة «نتنياهو سموتريتش بن غفير» للترحيل الجماعي، وهذه المرة عبر الميناء الأميركي الإسرائيلي، والتي فيما يبدو ستُقدم كمحاولة لإنقاذ المشردين المنكوبين من أهل غزة من الكارثة الإنسانية التي ألمت بهم، وكأن الذي أوجد هذه الكارثة «جيش من الكائنات الفضائية»، وليس حكومة جيش الاحتلال والتواطؤ الأميركي !
النكبة ومحاولة استكمال فصولها
اليوم تقفل النكبة سنتها السادسة والسبعين، في وقت تواصل فيه عنصرية الحركة الصهيونية محاولة استكمال فصولها بحرب الإبادة والتجويع في غزة، وخطة الضم والحسم في الضفة، وهي ترى في كل الفلسطينيين عدوًّا يجب اقتلاعه وتطهير ما يسمى بأرض الميعاد من وجوده. هذه استراتيجية نتنياهو التي باتت تدرك تفاصيلها شعوب العالم وطلاب جامعاته، والسؤال: هل ستستعيد القيادة المتنفذة والفصائل الفلسطينية شيئًا من بصيرتها، وتُراجع حساباتها، وتدرك أن لا سبيل لإنقاذ مصيرنا الوطني، وإفشال مخططات التهجير والتصفية سوى بالعودة للإرادة الشعبية واستنهاض طاقاتها في إطار الكيانية الموحدة ومؤسسات الوطنية الجامعة القادرة على مواجهة هذه المخططات وإسقاطها، وبما يفتح الطريق لهزيمة العنصرية الصهيونية، ودحر الاحتلال، وتمكين شعبنا من استعادة حقوقة، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير؟