في معادلة التطبيع مقابل الدولة
بعد أن تبدد التفاؤل من البعض بخصوص فوز دونالد ترمب برئاسة البيت الأبيض، خصوصا بعد تعينة لشخصيات معروفة بعدائها للشعب الفلسطيني وتنكرها ليس فقط لحقوقة بل لوجودة أيضا، لا بد من الحذر من مخاطر الرهان على معادلة الدولة الفلسطينة مقابل التطبيع.
صحيح أن ترمب هو رجل مال واقتصاد وصفقات، لكن هناك من يتناسى البعد الثقافي والفكري له.
إن ترمب ينتمي للنخبة التي تؤمن بالتفوق العرقي، الأمر الذي يفسر معاداتة للأجانب والمهاجرين وإصراره على شعار أميركا أولا.
لا أعتقد أن ترمب الثاني، أي الذي فاز بالولاية الحالية، سيختلف عن ترمب الأول، الذي كان رئيسا للفترة مابين 2016-2020.
لقد أعلن ترمب في أثناء الدعاية الانتخابية أن مساحة إسرائيل ضيقة وبحاجة لأن تتوسع، ووجه اللوم لمنافسته كامالا هاريس من الحزب الديمقراطي بأنها تكرة إسرائيل وبأنها لو فازت فلن تستمر إسرائيل لمدة عامين، كما حذر مستشاره للأمن القومي محكمة الجنايات الدولية بعد قرارها بإيقاف كل من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت بتهمة ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقال انتظرونا يوم 20/1 أنتم والأمم المتحدة، أي يوم تسلم ترمب الحكم في تهديد يتسم باستخدام وسائل القوة الغاشمة، وفي محاولة لاستبدال سيادة القانون بشريعة الغابة.
لقد قام ترمب في دورتة السابقة بإعلان صفقة القرن والتي صاغها مع نتنياهو آنذاك.
تم ذلك بعد أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس والإعلان عنها عاصمة لدولة الاحتلال، كما تم بعد قطع المساعدات عن وكالة الأونروا.
إن الدولة الفلسطينة المعلنة حينها منه ومن نتنياهو كانت على أجزاء مبعثرة ومتناثرة ومقطعة الأوصال من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتتضمن ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وأن عاصمه الدولة ستكون بجوار أحياء من القدس حيث إن القدس بشقيها ستكون عاصمة لدولة الاحتلال فقط.
إن إدارة ترمب الراهنة ذات التوجه اليميني، والتي ينتمي البعض منها للمسيحية الصهيونية، لا يلتقون مصلحيا فقط مع دولة الاحتلال، بل أيديولوجيا أيضا.
إنهم ينتمون لمدرسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتفوق الإثني، أي تفوق البيض بالولايات المتحدة وتفوق اليهود في فلسطين المحتلة الأمر الذي يتطلب الانتباة إلى خطورة هذة الإدارة التي رحب بها رموز اليمين الفاشي بدولة الاحتلال.
لقد أعلن بتسلئيل سموتريتش عن الاستعداد لضم الضفة الغربية وقام بتقسيمها إلى معازل وبانتوستانات، وأكد ذلك نتنياهو نفسة منتظرين لحظة تولي ترمب الرئاسة.
ربما يحاول ترمب إعادة طرح صفقة القرن معدلة عبر إعادة الإعلان عن إمكانية قيام دولة فلسطينية وهي بهذه الحالة ستكون أكثر مسخا وكاريكاتورية من دولة صفقة القرن الأولى، حيث سيسمح لدولة الاحتلال بضم مساحات واسعة من الضفة أقلها المنطقة المصنفة (ج) والتي تبلغ مساحتها حوالي 60% من مساحة الضفة، وذلك لإقناع السعودية للتقدم باتجاه التطبيع مع دولة الاحتلال.
وعليه فبالوقت الذي يجب الترحيب به بالجهد الذي تقوم به السعودية على مستوى حشد الدول العربية والإسلامية بما يشمل العديد من دول العالم وصل عددها إلى 90 دولة وذلك تحت شعار التطبيع مقابل الدولة، الأمر الذي من المرجح أن يؤثر باتجاة تعديل موازين القوى السياسية لصالح العرب في مواجهة ترمب وهو رجل المال والأعمال والمصالح الاقتصادية فإنه من الضروري في الوقت ذاته التنبية من مخاطر المناورات الخادعة التي قد يلجأ لها ترمب بالشراكة مع نتنياهو عبر الموافقة على الإعلان عن دويلة فلسطينية مشوهة ومقطعة الأوصال وتحت السيادة الاحتلالية، ومسلوبة الحق في تقرير المصير، ومشطوب منها حق العودة، وأن يتم الإعلان عن ذلك مقابل التطبيع.
وبهدف إحباط مخططات الضم والتهويد ومخاطر التهجير لا بد من العمل الفوري لترتيب البيت الداخلي وإنهاء الانقسام والاستفادة من المكانة القانونية والسياسية الجديدة التي أصبحت تحتلها دولة فلسطين بعد الاعترافات العالمية بها للتمسك بها كما هي معرفة بالقانون الدولي أي بما يشمل الأراضي الفلسطينة المحتلة بالعام 1967 كاملة وغير منقوصة.