قضية الجهاز السري للنهضة الإخونجية إلى واجهة الأحداث في تونس
عضو سابق في الجهاز يكشف أسرار التنظيم السري
عادت قضية الجهاز السري التابع لحركة النهضة الإخونجية إلى واجهة الأحداث في تونس، بعد أن كشف العضو السابق في الجهاز السري كريم عبد السلام، عن تورط الحركة في عملية إرهابية قبل نحو 3 عقود، مما أثار جدلا في تونس ودفع قيادة الحركة للرد.
وقال عبد السلام، إن العملية استهدفت أحد مراكز الحزب الحاكم آنذاك في تونس عام 1991، وراح ضحيتها أحد حراس المركز والعشرات من الجرحى.
وأكد في حديث لوسائل إعلامية، أن العملية جاءت في سياق خطة صادقت عليها هياكل الحركة في مؤتمرها، وغايتها استهداف النظام حينها، مشيرا أيضا إلى خطوات اختراق مؤسسات المجتمع التونسي.
وبدأت قصة عبد السلام في الذيوع داخل تونس وإثار الجدل فيها، بعدما أجرى مقابلة مع راديو “شمس أف أم” المحلي، كشف فيها تورط التنظيم في العملية الإرهابية.
تفاصيل العملية
وعن تفاصيل العملية قال عبد السلام: “حدد موعد تنفيذ العملية في 17 فبراير 1991 لاستهداف مقر لجنة التنسيق الحزبي في منطقة باب سويقة وسط العاصمة تونس. وكان التخطيط للعملية وتنفيذها بعلم قيادة الحركة”.
وأضاف “في لحظة التنفيذ، هجم 16 عنصرا من النهضة انقطع التيار الكهربائي. علت أصوات التكبير. شاهدت أحد الحراس يخرج من باب المقر مسرعاً والنار تلتهم جسده. اعترضه أحد أصدقائه، حاول تغطيته بمعطفه لكن يبدو أن المعطف البلاستيكي زاد في تعكير حالته. هناك أمام المقر”.
وأردف: “سمعت بخبر وجود حالات وفاة وتأكدت من واقعة وفاة عمارة السلطاني وهو من قدماء عناصر حزب الدستور الذين يشاركون في حراسة مقر اللجنة الحزبية”.
وتابع: “كانت حركة النهضة الإخونجية تمتلك السلاح. كما وجهت الحركة شبابها للدخول لكليات الشركة والجيش من أجل الاختراق، حيث كان المنصف بن سالم والصادق شورو من بين المشرفين على التنظيم العسكري للحركة، الذي كان راشد الغنوشي مشرفاً عليه بشكل مباشر”.
وتعتبر عملية “باب سويقة” حدثا فارقا في تاريخ تونس السياسي المعاصر، حيث شكلت القطيعة النهائية بين نظام الرئيس زين العابدين بن علي وحركة النهضة، بعد أن اتهم النظام الحركة وجهازها العسكري بالوقوف وراء موجة العنف التي اجتاحت البلاد في بداية التسعينات.
من جانبه، رد رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، على شهادة كريم عبد السلام، معتبرا أنها “المحاولة البائسة واليائسة التي تهدف لتحويل حركة سياسية منذ 1981 وهي الحزب الأكبر في البلاد سواء في المعارضة أو الحكم، إلى حالة وقصّة أمنية، ومحاولة ربطها بالارهاب”.
وقال عبد السلام خلال المقابلة الإذاعية: “داخل السجن بدأت مراجعات لكل تاريخي الحركي، فهذه العملية جريمة بشعة أدت إلى إغلاق المجال السياسي في تونس لسنوات. الإنسان يخطئ لكن التمادي في الخطأ وعدم الإعتراف به هو الجريمة”.
وتابع: “قضيت 13 عاما في السجن وقد دخلته حدثاً. وأجدد اعتذاري لعائلات الضحايا ولجميع التونسيين. أقول هذا من أجل أن نؤسس لثقافة الإعتراف وسط إرهاب الحقيقة الذي نعيشه في تونس اليوم”.
وأضاف كريم عبد السلام “عملية باب سويقة قضية جاءت في سياق خطة صادقت عنها هياكل الحركة في مؤتمرها وتدرج الجميع من أعلى إلى أسفل في إقرارها، وذلك في سياق خطة فرض الحريات وخانة فتح باب المبادرة لاستهداف النظام”.
وتابع: “بدأت الحركة في تطبيق الخطة، من خلال التحشيد والتحريض وحرق مقرات حزب التجمع الدستوري الحاكم وضمن عمليات ممنهجة تستهدف حرق المؤسسات السيادية والجامعات والمدارس”.
وأضاف عبد السلام: “في نهاية عام 1990 قررت القيادة إلحاقي بدائرة الاستعلام وهي دائرة سرية تعمل على توفير المعلومات اللازمة التي تمكّن القيادة من إجراء تقييم حقيقي للوضع، ثم تكليفي بأنْ ألتحق بحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي الحاكم لأكون عين الحركة داخله، حيث سياسة الاختراق تلك شملت منظمات وجمعيات أخرى عديدة. فقد كان مشروع الحركة قائما على أسلمة المجتمع وقد نجحت في الإختراق الأمن والشرطة والجيش والنقابات والجمعيات”.
وعن إمكانية وجود هذا الاختراق والتنظيم السري حتى اليوم، قال عبد السلام: ”لا يمكن فصل الحركة عن تنظيمها السري فكل قطاعاتها وهياكلها كانت مزدوجة بين السرية والعلنية”.
أما الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت إلى إنشاء هذا التنظيم السري لا تزال على حالها، بحسب عبد السلام.
وأضاف “لست الآن أحد أعضاء حركة النهضة وعلاقتي بها هيكليا انقطعت من سنوات طويلة جدا وإنما كل الحركات السرية والتنظيمات تأسست تحت شعار المقولة الشهيرة لا بد للفكر من ذراع يحميه”.
وتابع: “يصعب جدا مسك الأدلة المادية في قضايا السياسية فما بالك بوجود أدلة حول التنظيمات السرية ذات خبرة طويلة”.
وقال عبد السلام رداً عن سؤال بشأن الخلافات الدائرة اليوم داخل حركة النهضة: “اليوم الحركة في حالة ترنح بين الخطوط المتعددة المتناحرة على السلطة والميراث بين جماعة المهجر وجماعة الداخل، وإرث تاريخي تعفن وروائحه تدل عليه رغم كل محاولات الدفن، وغياب المشروع وفشل تجربة السلطة كلها يمثل حتمية السقوط”.
وتشهد حركة النهضة الإخونجية منذ نحو عام العديد من الاستقالات في صفوف قيادات الصف الأول، من التيار المعارض لرئيسها راشد الغنوشي.