كذبة القرن
تمر اليوم التاسع من أبريل الذكرى العشرون لسقوط بغداد في ظل أكبر حملة بروباغندا أدارتها واشنطن وشركاؤها في الحرب وشارك فيها التابعون التقليديون والشامتون المتربصون ومن توهموا أنه قد تكون لهم مصالح في إقصاء العراق عن دوره التاريخي والحضاري والإستراتيجي.
كشفت تلك الحرب عن قدرة واشنطن على صناعة الأكاذيب وتجييرها لخدمة أهدافها. كل الوسائل والأدوات متاحة لنشر الأخبار الزائفة والتقارير المفبركة التي تستهدف من تراهم الإدارة الأميركية أعداء لمصالحها.
وإذا كان العرب يلجأون أحيانا إلى كتابة أغنية أو قصيدة شعر في هجاء الخصم، فالأميركيون يعتمدون على هوليوود في صناعة أفلام يتم ترويجها على نطاق واسع بهدف تشويه هذا النظام أو ذاك.
في حالة العراق، تم الاشتغال على البروباغندا بشكل غير مسبوق. في الخامس من فبراير 2002 وقف وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام مجلس الأمن يشير بأنبوب اختبار صغير يحتوي على مسحوق أبيض، ليؤكد أنه يقدم أدلة وصفها بالدامغة آنذاك عن إخفاء نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل وأنه يواصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 لعام 2002.
بعد عامين كان باول قد استقال من منصبه، وقال في مقابلة مع قناة “أي.بي.سي” التلفزيونية الأميركية إن دفاعه عما جاء على لسانه بخصوص زعمه امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل كان مؤلما له، وإنه كان مكرها على حشد التأييد للحرب على العراق، وأن أناسا في المخابرات كانوا يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئا.
صاحب كذبة القرن
عندما توفي باول في أكتوبر 2021 متأثرا بفايروس كورونا، كانت الصفة الأكثر انتشارا التي أطلقتها عليه وسائل الإعلام هي أنه صاحب كذبة القرن التي أدت إلى احتلال العراق.
في الحقيقة لم يكن الرجل غير ناقل لجزء من البروباغندا التي تنتجها وتديرها الإدارة الأميركية وتعتبرها أساس كل حروبها، ويصدقها المغفلون ممن يعتقدون أن الكذب قد يقترفه الصغار عن غير وعي، وأن الكبار لا يكذبون. المؤشرات تدل على أن الكذب الحقيقي هو الذي يمارسه الكبار عن وعي كامل وبسابق إضمار.
تقول إحدى النكات إن روسيّا كان على متن طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة، سأله الأميركي في المقعد المجاور “إذن ما الذي أتى بك إلى الولايات المتحدة؟”، يجيب الروسي “أنا أدرس المقاربة الأميركية للدعاية”. قال الأميركي “أي دعاية؟”، رد الروسي “هذا ما أعنيه”.
وتفسير النكتة أن الشعوب في الدول ذات الأنظمة الشمولية تتعامل مع البروباغندا على أنها من صناعة تلك الأنظمة، أما الدول الديمقراطية فإن شعوبها تصدق الأكاذيب التي تستهدفها اعتقادا منها أن أنظمتها نظيفة ولا تعمد الأساليب القذرة كترويج الشائعات والأخبار الزائفة والتقارير المفبركة. بذلك فإن بروباغندا الديمقراطيات أخطر بكثير من بروباغندا الأنظمة الشمولية، وكذبة القرن دليل كاف على ذلك.