لبنان: الحل الفوري أو الإنهيار الإقتصادي
أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاثنين أن لبنان يحتاج “حلاً فورياً خلال أيام” لتجنّب حصول انهيار اقتصادي، في وقت تشهد البلاد شللاً كاملاً بعد 12 يوماً من احتجاجات اتّسمت بقطع طرقات رئيسية وتسببت بإغلاق المصارف والمدارس والجامعات.
وواصل المتظاهرون الاثنين قطع الطرق رغم تساقط الأمطار بغزارة بعد الظهر، عبر تعزيز العوائق وركن سيارات وسط طرق رئيسية في كافة المناطق اللبنانية، في إطار تحركهم المستمر منذ 17 تشرين الأول/ديسمبر، للمطالبة برحيل الطبقة السياسية بكاملها.
ورداً على سؤال عما إذا كان لدى لبنان ما يكفي من الاحتياطات لضمان نجاته من انهيار اقتصادي، قال سلامة “إنها مسألة أيام لأن الثمن كبير على البلد” مضيفاً أن “الأهم أننا نخسر الثقة أكثر فأكثر يوما بعد يوم”. وقال “لكي ننقذ أنفسنا من هذا الوضع نحن بحاجة لحلول فورية.”
وفي وقت لاحق، أصدر سلامة توضيحاً لتصريحه فقال “لا أقول إننا بصدد انهيار خلال أيام بل ما قلته هو أننا نحتاج حلاً فورياً خلال أيام لاستعادة الثقة وتفادي الانهيار في المستقبل”.
وتظاهر عدد من المحتجّين أمام المصرف المركزي الاثنين للمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين. وقالت ناشطة وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام، إن “سياسات الحاكم رياض سلامة وهندسته المالية وجّهت الوضع نحو الانهيار”.
وتزايد عدد المحتجّين في نقاط التجمّع الرئيسية اعتباراً من أولى ساعات المساء، لاسيما في وسط بيروت وطرابلس شمالاً وصيدا جنوباً وجل الديب شمال بيروت وجبيل في كسروان .
وحاول عدد من المتظاهرين في ساحة رياض الصلح في العاصمة اجتياز الشريط الشائك أمام السراي الحكومي لكن القوى الأمنية صدّتهم، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام.
ونُظّمت تظاهرة مضادة داعمة للرئيس ميشال عون وحزبه “التيار الوطني الحرّ” في محلّة جونية شمال بيروت.
وشهدت البلاد نهاية الأسبوع الفائت محاولات من الجيش والقوى الأمنية لفتح الطرق من دون نتيجة، إذ أكد المتظاهرون أنهم يريدون الإبقاء على شلل البلاد الى حين الاستجابة لمطالبهم المتمثلة باستقالة الحكومة أولا وتغيير كل الطبقة السياسية. كما تمسكوا بالطابع السلمي لما يسمونه “ثورة”.
وللتصدي لمحاولات الجيش والقوى الأمنية، ابتكر المحتجّون أساليب جديدة لقطع الطرق. فقد ركنوا سياراتهم الاثنين في وسط الطرقات تلبية لدعوات أُطلقت مساء الأحد بهذا الصدد.
واستقدم المحتجّون إلى جسر الرينغ الرئيسي في العاصمة، أثاثاً منزلياً من سجاد وبراد وأريكة وغرفة نوم وافترشوا الأرض بها في خطوة تؤكد على تصميمهم البقاء في الشارع.
وكان المتظاهرون استخدموا حتى الآن الإطارات المشتعلة والعوائق ومستوعبات النفايات والقطع الحديدية وأكوام التراب والحصى لقطع الطرق. وحين كانت القوى الأمنية تنجح في إزالة كل العوائق، لم يتردد كثيرون في التمدّد أرضا لقطع الطريق بأجسادهم.
على كورنيش عين المريسة، بدا المتظاهرون وكأنهم تآلفوا مع المكان، فراحت شابة تعمل على حاسوبها المحمول فيما كانت جالسة في وسط الطريق. في الوقت نفسه، وزّع البعض مناقيش على المحتجّين.
وقال علي (21 عاماً) الذي كان بين مجموعة متظاهرين يقطعون الجسر لفرانس برس “إذا لم تشعر السلطة الحاكمة الفاسدة أن البلد مشلول فلن نتمكن من التأثير عليها… وتحقيق مطالبنا”.
واندلعت شرارة الاحتجاجات غير المسبوقة في لبنان بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت سرعان ما تحوّلت حركة مناهضة للطبقة السياسية كلها.
وقالت مايا إحدى المتظاهرات في منطقة فردان في العاصمة “أغلقنا الطريق لأن هناك +صيانة وطن+”. وأضافت الشابة العشرينية “نحن الجيل الجديد وهذا وطننا ويحق لنا أن نبنيه”.
في مدينة صيدا جنوباً، سُجل صباحاً اشتباك بين الجيش ومحتجين كانوا يقطعون مدخل المدينة الشمالي، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح طفيفة، بحسب مراسل لفرانس برس.
وأعلن رئيس الحكومة سعد الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية قبل نحو أسبوع في محاولة لامتصاص غضب الشارع، ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون الى إعادة النظر بالواقع الحكومي، لكن المتظاهرين يعتبرون أن كل هذه الطروحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم.
وشكّل عشرات آلاف اللبنانيين الأحد سلسلة بشرية امتدّت من شمال البلاد إلى جنوبها على مسافة تبلغ 170 كيلومتراً، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال التظاهرات العابرة للطوائف والمناطق.
واتهمت صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من حزب الله في عددها الصادر الاثنين “دولاً إقليمية بدعم جماعات محددة من المتظاهرين” وكذلك وسائل إعلام و”بعض الشخصيات”.
وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله شكّك الجمعة بـ”عفوية” الحراك الشعبي ضد السلطة، واتهم أحزاباً وسفارات لم يسمها بـ”تمويل” التظاهرات.
ودعا البابا فرنسيس الأحد إلى “الحوار” لإيجاد حلول “عادلة” في الأزمة التي يمرّ بها لبنان. وقال البابا إن الهدف هو أن يبقى لبنان “مساحة تعايش سلمي واحترام لكرامة وحرية كل شخص لصالح منطقة الشرق الأوسط كلها”.