لتجنب مخاطر التصعيد: واشنطن تجري “محادثات سرية” مع مساعدين بارزين للرئيس الروسي
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” ، الأحد، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان انخرط خلال الأشهر الماضية، في “محادثات سرية” مع مساعدين بارزين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة للحد من مخاطر “نشوب صراع أوسع” في أوكرانيا.
وأضاف المسؤولون، وفق الصحيفة، أن الهدف من المحادثات كان “تجنب مخاطر التصعيد وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وليس مناقشة الوصول إلى تسوية للحرب في أوكرانيا”.
وقالت الصحيفة ، أن المحادثات كانت تهدف أيضاً إلى تحذير موسكو من استخدام أسلحة نووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين، قولهم إن سوليفان كان على اتصال مع مستشار السياسة الخارجية لبوتين يوري أوشاكوف، كما أنه تحدث أيضاً مع نظيره في الحكومة الروسية نيكولاي باتروشيف.
ورداً عما إذا كان سوليفان قد شارك في محادثات غير معلنة بالفعل مع أوشاكوف أو باتروشيف، اكتفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون، بالقول إن “الناس يدّعون الكثير من الأشياء”. ولم يأكد كلا الجانبين على إجراء محادثات بين البيت الأبيض والكرملين.
وتأتي هذه المناقشات غير المعلنة في الوقت الذي تضاءلت فيه الاتصالات الدبلوماسية التقليدية بين واشنطن وموسكو، كما ألمح بوتين ومساعدوه إلى أنه قد يلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية لحماية الأراضي الروسية، فضلاً عن المكاسب التي تحققت في غزو أوكرانيا.
تبادل مصالح الأمن القومي
وعلى الرغم من دعم البيت الأبيض، لأوكرانيا إلى جانب الإجراءات العقابية التي تم فرضها على روسيا بسبب الغزو، فإن واشنطن حافظت على مستوى معين من التواصل مع موسكو، لتحقيق بعض مصالح الأمن القومي المتبادلة، وفقاً لـ”وول ستريت جورنال”.
وأوضاف المسؤولون الأميركيون، أن سوليفان معروف داخل إدارة الرئيس جو بايدن، بأنه يدفع باتجاه وجود خطوط اتصال مع روسيا، وذلك حتى في الوقت الذي يشعر فيه السياسيون أن المحادثات في البيئة الدبلوماسية والعسكرية الحالية “لن تكون مثمرة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الذين تحدثوا إليها لم يذكروا تواريخ المحادثات أو عددها بشكل دقيق، كما لم يؤكدوا ما إذا كانت مثمرة أم لا.
وفي 23 من أكتوبر الماضي، بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع نظيره الأميركي لويد أوستن هاتفياً، الوضع في أوكرانيا.
وكان شويغو وأوستن أجريا، في 21 من الشهر نفسه، اتصالاً هاتفياً شدّدا فيه على “أهمية إبقاء قنوات التواصل” مع روسيا مفتوحة في غمرة حرب أوكرانيا.
وأضافت وزارة الدفاع الروسية حينها، أنَّ الرجلين ناقشا “قضايا راهنة عدة تتصل بالأمن الدولي، بينها الوضع في أوكرانيا”.
قنوات اتصال مفتوحة
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلاً عن مسؤولين أميركيين، إنه من المفيد للبيت الأبيض “المحافظة على الاتصال بالكرملين” في الوقت الذي يمر فيه منحنى العلاقات الأميركية الروسية بأدنى مستوياته منذ نهاية الحرب الباردة.
وقال إيفو دالدار، السفير الأميركي السابق لدى منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، للصحيفة: “أعتقد أنه من المهم، الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة لفهم ما يفكر فيه كل طرف، ومن ثم تجنب احتمال نشوب مواجهة عارضة أو حرب، خصوصاً مع الدول التي تمتلك أسلحة نووية”.
وأضاف دالدار أن “مستشاري الأمن القومي يمثلون أقرب رافد إلى المكتب البيضاوي من دون إقحام الرئيس مباشرة في قناة الاتصال”.
ووفقا لـ”وول ستريت جورنال”، فإن بايدن سعى إلى “تجسير علاقة عمل” مع بوتين خلال العام الأول من رئاسته، والتي بلغت ذروتها بقمة جنيف في يونيو 2021. وتناولت تلك المحادثات ملف أوكرانيا، حيث ظهرت خلافات واضحة بين الطرفين، ضمن مصفوفة موضوعات أخرى.
وتحدث الرئيس الأميركي مرتين إلى نظيره الروسي في ديسمبر 2021، ومرة أخرى في فبراير الماضي، لمحاولة تجنب الغزو الوسي لأوكرانيا، فيما انخرط الدبلوماسيون الأميركيون في محادثات مع نظرائهم الروس بهذا الشأن.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير تراجعت وتيرة الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية بين الجانبين إلى درجة كبيرة.
حث كييف على التفاوض
وأشار مسؤولون لـ”وول ستريت جورنال”، إلى أن سوليفان “لعب دوراً رائداً في تنسيق سياسات وخطط إدارة بايدن للرد على الغزو الروسي لأوكرانيا”.
وأضافوا أن سوليفان “شارك في جهود دبلوماسية عدة”، كزيارته لكييف، للتحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزير دفاعه أوليكسي ريزنيكوف، وهي “اجتماعات عادة ما تقتصر على وزراء الخارجية أو الدفاع”.
وقال أحد المسؤولين للصحيفة إن سوليفان تحدث أيضاً إلى القيادة الأوكرانية لحثها على الإشارة علناً إلى استعدادها لحل الصراع، موضحاً أن “الولايات المتحدة لا تدفع أوكرانيا إلى التفاوض، وإنما إلى أن تظهر للحلفاء رغبتها في حل الصراع” الذي أثر على أسعار النفط والغذاء في جميع أنحاء العالم.
وعندما أشار بوتين وكبار مساعديه، في سبتمبر إلى أن روسيا قد تستخدم أسلحتها النووية، قال سوليفان إن الإدارة الأميركية “أجرت بشكل مباشر، وعلى نحو خاص، اتصالات على أعلى مستوى بالكرملين أكدت فيها أن أي استخدام للأسلحة النووية سيكون له عواقب وخيمة على روسيا”.
وفي أكتوبر عام 2021، أشارت الاستخبارات الأميركية إلى أن القوات الروسية كانت تعد للهجوم على أوكرانيا. وبناء على ذلك تم إيفاد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، وليام بيرنز، إلى موسكو، في أوائل نوفمبر من العام نفسه، لتحذير بوتين من غزو أوكرانيا.
وأثناء زيارة بيرنز في نوفمبر 2021، التقى مستشار الرئيس الروسي للسياسة الخارجية يوري يوشاكوف، والذي سبق له العمل كسفير لبلاده لدى واشنطن، ويُنظر إليه من قبل المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين باعتباره حلقة الاتصال الأساسية بالرئيس الروسي، قبيل لقائه بوتين. وفي ديسمبر، تحدث سوليفان مرة أخرى مع يوشاكوف.
الحد من الأسلحة الاستراتيجية
وحتى في الوقت الذي شهدت العلاقات بين واشنطن وموسكو، تدهوراً إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، سعت الولايات المتحدة إلى المحافظة على بعض مناطق التعاون، لا سيما فيما يتعلق بملفي الحد من الأسلحة الاستراتيجية ومحطة الفضاء الدولية.
وتمسكت واشنطن وموسكو بمعاهدة “نيو ستارت”، التي تحد من الأسلحة النووية الأميركية والروسية طويلة المدى، والتي من المقرر أن تنتهي في 2026.
وأفاد مسؤولون أميركيون وتقارير إعلامية روسية بأن المسؤولين الأميركيين والروس يخططون لعقد اجتماعات اللجنة الاستشارية الثنائية، التي تشكلت بموجب معاهدة “نيو ستارت”، لمناقشة تطبيقها.
وتهدف هذه الاجتماعات، إلى استئناف عمليات التفتيش، بموجب ما تنص عليه بنود المعاهدة، والتي كانت توقفت مع بدء تفشي فيروس كورونا، وفقاً للمسؤولين الأميركيين.
وبينما كانت سويسرا هي الدولة المضيفة لهذه المحادثات، قالت موسكو إنها لم تعد تعتبرها “دولة محايدة” لأنها، على غرار الدول الأوربية الأخرى، فرضت عقوبات اقتصادية على موسكو على إثر غزو الأخيرة لأوكرانيا.
وقال المسؤولون إن العقوبات الغربية أدت إلى تعقيد ترتيبات سفر الوفد الروسي المشارك في الاجتماع، ما أدى إلى وضع خطط لعقده في القاهرة.
ورفضت الخارجية الأميركية والحكومة الروسية التعليق على هذه الاجتماعات، التي لم يتم الإعلان عنها مسبقاً.